للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ ذَكَرُوا فِيمَا إذَا أَرْكَبَ صَغِيرَيْنِ أَجْنَبِيٌّ وَتَلِفَ بِسَبَبِ رُكُوبِهِمَا شَيْءٌ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُرْكِبُ الْوَلِيَّ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ لِمَصْلَحَتِهِمَا مَعَ ضَبْطِهِمَا لِلْمَرْكُوبِ فَكَمَا لَوْ رَكِبَا بِأَنْفُسِهِمَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا فَكَذَا يُقَالُ هُنَا إذَا أَمْكَنَ الْوَلِيَّانِ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ الرَّعْيِ الَّذِي لَهُمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِكَوْنِهِ بِأُجْرَةٍ أَوْ لِمِلْكِهِمَا نَفْسَهُمَا وَهُمَا مِمَّنْ يُضْبَطُ لِمِثْلِ مَا فِي أَيْدِيهِمَا ضَمِنَتْ رَاعِيَةُ النَّاطِحَةِ الْمَنْطُوحَةَ لِتَمَكُّنِهَا مِنْ رَدِّهَا.

وَمِنْ ثَمَّ لَوْ انْفَلَتَتْ مِنْهَا وَعَجَزَتْ عَنْ رَدِّهَا فَأَتْلَفَتْ حِينَئِذٍ شَيْئًا لَمْ تَضْمَنْهُ الرَّاعِيَةُ لِخُرُوجِهَا عَنْ يَدِهَا وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَوْ انْفَلَتَتْ الْبَهِيمَةُ فَلَا ضَمَانَ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَكِبَتْ رَأْسَهَا وَعَجَزَ عَنْ ضَبْطِهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مُتْلِفَهَا لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ فَهُوَ الْمُقَصِّرُ بِرُكُوبِ مَا لَا يَضْبُطُهُ وَكَأَنَّ مَنْ اشْتَرَطَ اعْتِيَادَ النَّطْحِ أَخَذَهُ مِمَّا قَالُوهُ فِي الْهِرَّةِ أَنَّهَا إذَا اعْتَادَتْ الْإِتْلَافَ وَجَبَ ضَبْطُهُمَا وَضَمِنَ مُتْلَفَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَعْتَدِ ذَلِكَ لَا ضَمَانَ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْعَادَةَ حِفْظُ الطَّعَامِ عَنْهَا وَلَا دَلِيلَ فِي هَذَا عَلَى أَنَّ الْبَهِيمَةَ كَذَلِكَ فَالْأَوْجَهُ مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ضَمَانِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي فِي يَدِهِ بَيْنَ الْمُتَعَوِّدَةِ لِلنَّطْحِ وَغَيْرِهَا وَحَيْثُ وَجَبَ ضَمَانٌ فَهُوَ فِي مَالِ الضَّامِنِ إنْ كَانَ الْمُتْلَفُ غَيْرَ آدَمِيٍّ وَإِلَّا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ.

(وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِمَا صُورَتُهُ ذَكَرَ ابْنُ الْعِمَادِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْهِرِّ فَمَا حَاصِلُهَا؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ الْحَاصِلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْهِرِّ وَإِنْ أَفْسَدَ عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ بَلْ يَجِبُ عَلَى دَافِعِهِ أَنْ يُرَاعِي التَّرْتِيبَ وَالتَّدْرِيجَ فِي الدَّفْعِ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ كَمَا يُرَاعِيهِ دَافِعُ الصَّائِلِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَجُوزُ قَتْلُهُ ابْتِدَاءً إذَا عُرِفَ بِالْإِفْسَادِ قِيَاسًا عَلَى الْفَوَاسِقِ الْخَمْسَةِ نَعَمْ يَجُوزُ قَتْلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ الْمُعْتَمَدِ فِي صُورَةٍ وَهِيَ مَا إذَا أَخَذَ شَيْئًا وَهَرَبَ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُهُ فَلَهُ رَمْيُهُ بِنَحْوِ سَهْمٍ لِيَعُوقَهُ عَنْ الْهَرَبِ.

وَإِنْ أَدَّى إلَى قَتْلِهِ وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ أُنْثَى حَامِلًا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ رَمْيُهَا مُطْلَقًا رِعَايَةً لِحَمْلِهَا إذْ هُوَ مُحْتَرَمٌ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ جِنَايَةٌ فَلَا يُهْدَرُ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ وَأَمَّا تَخْرِيجُ الْبَغَوِيِّ لِذَلِكَ فِي فَتَاوِيهِ عَلَى تَتَرُّسِ الْمُشْتَرَكِينَ بِالْمُسْلِمِينَ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ تِلْكَ حَالَةُ ضَرُورَةٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا فَسَادٌ عَامٌّ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ فَسَادَهُ خَاصٌّ وَالْأُمُورُ الْعَامَّةُ يُغْتَفَرُ لِأَجَلِهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ لِأَجْلِ الْأُمُورِ الْخَاصَّةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَيُسْتَحَبُّ تَرْبِيَةُ الْهِرِّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» وَيَصِحُّ بَيْعُ الْهِرِّ الْأَهْلِيِّ وَالنَّهْيُ عَنْ ثَمَنِ الْهِرِّ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَحْشِيِّ وَيَجُوزُ أَكْلُ الْهِرِّ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَيُسْتَحَبُّ إكْرَامُهُ وَيَجِبُ عَلَى مَالِكِهِ إطْعَامُهُ إنْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِخَشَاشِ الْأَرْضِ وَسُؤْرُهُ طَاهِرٌ فَإِنْ أَكَلَ نَجَاسَةً فَفِي وَجْهٍ اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ

وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ فَعَلَيْهِ لَوْ غَابَ وَاحْتَمَلَ طُهْرُ فَمِهِ بِشُرْبِهِ مِنْ مَاءٍ كَثِيرٍ، أَوْ قَلِيلٍ جَازَ، أَوْ مُكَدَّرٍ بِتُرَابٍ إنْ أَكَلَ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً لَمْ يَنْجُسْ مَا وَلَغَ فِيهِ لَكِنَّ فَمَهُ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِ وَفِيمَا وَلَغَ فِيهِ لِمَا قَرَّرْتُهُ فِي شَرْحَيْ الْإِرْشَادِ وَالْعُبَابِ وَلَوْ صَادَ نَحْوَ حَمَامَةٍ وَجَبَ تَخْلِيصُهُ مِنْهُ لِحُرْمَةِ رُوحِهِ إذْ يَحْرُمُ قَتْلُهُ بِغَيْرِ الذَّبْحِ وَلَوْ صَادَ هِرٌّ مَمْلُوكٌ بِنَفْسِهِ لَمْ يَدْخُلْ مَا صَادَهُ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ فَقَبْلَهُ يَمْلِكُهُ مَنْ أَخَذَهُ بِخِلَافِ قَنِّهِ إذَا احْتَطَبَ، أَوْ احْتَشَّ، أَوْ صَادَ لِأَنَّ لَهُ قَصْدًا صَحِيحًا وَيَدُهُ كَيَدِ سَيِّدِهِ فَمَلَكَ مَا صَادَهُ مُطْلَقًا وَلَا يَجُوزُ لِلضَّيْفِ أَنْ يُطْعِمَ الْهِرَّ إلَّا أَنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ، أَوْ ظَنَّ رِضَاهُ أَوْ كَانَ الْهِرُّ مُضْطَرًّا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَنْفِيرُهُ لَوْ أَكَلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْحِفْظَ وَلَوْ وَجَدَ نَحْوَ لَحْمَةٍ مَعَ هِرٍّ لَمْ يَجُزْ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ مَالِكَهَا تَبَرَّعَ بِهَا عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَاعْتِيدَ أَنَّ مِثْلَهَا يُرْمَى لَهُ وَإِلَّا كَدَجَاجَةٍ وَرَغِيفِ سُنَّ أَخَذَهُ مِنْهُ وَيَكُونُ لُقْطَةً فَيَجِبُ تَعْرِيفُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي نَحْوِ الْكَلْبِ وَكُلُّ مَا يُطْعِمُهُ الْإِنْسَانُ لِهِرٍّ أَوْ حَيَوَانٍ آخَرَ يُثَابُ عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ.

وَفَسَّرَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْمَحْرُومَ فِي الْآيَةِ بِالْكَلْبِ وَيَجُوزُ حَبْسُ الْهِرِّ وَإِطْعَامُهُ وَلَا نَظَرَ لِمَا فِي الْحَبْسِ مِنْ الْعُقُوبَةِ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ مُحْتَمَلَةٌ وَكَذَا الطَّائِرُ وَفِي شَرْحِ التَّعْجِيزِ لِابْنِ يُونُسَ إنَّ الْقَفَصَ لِلطَّائِرِ كَالْإِصْطَبْلِ لِلدَّابَّةِ وَدَلِيلُ جَوَازِ حَبْسِهِمَا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>