للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صَرْفُهُ فِيمَا قَصَدَ النَّاذِرُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ إلَّا إنْ اطَّرَدَتْ عَادَةُ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّاذِرِ بِأَنَّهُمْ يَنْذِرُونَ لِلْمَيِّتِ وَيُرِيدُونَ جِهَةً مَخْصُوصَةً مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَعَلِمَ النَّاذِرُ بِتِلْكَ الْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ فَالظَّاهِرُ تَنْزِيلُ نَذْرِهِ عَلَيْهِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الْوَقْفِ مِنْ أَنَّ الْعَادَةَ الْمُسْتَقِرَّةَ الْمُرَادَةَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ.

وَالنَّذْرُ لِلتَّجْصِيصِ الْمَذْكُورِ بَاطِلٌ نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ يَصِحُّ ذَلِكَ فِي قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْقَبْرُ بِمَحَلٍّ لَا يُؤْمَنُ عَلَى الْمَيِّتِ الَّذِي فِيهِ مِنْ السَّبُعِ أَوْ سَرِقَةِ الْكَفَنِ أَوْ إخْرَاجِ نَحْوِ مُبْتَدَعَةٍ أَوْ كُفَّارٍ لَهُ إلَّا بِالتَّجْصِيصِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَلْ يُنْدَبُ وَيَصِحُّ نَذْرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ كَمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ.

(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا نَذَرَ مَدِينٌ لَدَائِنِهِ كُلَّ يَوْمٍ بِكَذَا مَا دَامَ دَيْنُهُ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ رَهَنَهُ بِدَيْنِهِ أَرْضًا وَنَذَرَ لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا مَادَامَ الدَّيْنُ بَاقِيًا بِذِمَّتِهِ هَلْ يَصِحُّ النَّذْرُ وَيَلْزَمُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمِصْرِيِّينَ وَالْيَمَنِيِّينَ بِالصِّحَّةِ وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ لِأَنَّ النَّذْرَ حِينَئِذٍ شَبِيهٌ بِالْمُعَاوَضَةِ أَوْ فِيهِ شَائِبَةُ مُعَاوَضَةٍ وَالنَّذْرُ يُصَانُ عَنْ الْمُعَاوَضَةِ إذْ هُوَ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ

وَأَجَابَ بَعْضُ الْأَوَّلِينَ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ عَلَى تِلْكَ الْمُشَابَهَةِ مِنْ لَفْظِ النَّاذِرِ بَلْ مِنْ قَصْدِهِ النَّذْرَ بِذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ صَبْرِهِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ شَبِيهٌ بِالْقَرَائِنِ وَالْمُوَاطَأَةِ فِي الْعُقُودِ.

وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَدَمُ اعْتِبَارِ تِلْكَ الْقَرَائِنِ وَالْمُوَاطَأَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْبُيُوعِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا وَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ وَدَلَالَةِ الْقَرَائِنِ غُلِّبَتْ الْأُولَى فَإِنْ قُلْت صَرَّحُوا بِأَنَّ الْقَصْدَ يُصَيِّرُ الْعَقْدَ مَكْرُوهًا فِي نَحْوِ حِيَلِ الرِّبَا وَنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ فَقِيَاسُهُ إنْ قَصَدَ ذَلِكَ بِالنَّذْرِ يَصِيرُ مَكْرُوهًا وَنَذْرُ الْمَكْرُوهِ لَا يَنْعَقِدُ قُلْت إطْلَاقُ أَنَّ النَّذْرَ الْمَكْرُوهَ لَا يَنْعَقِدُ غَيْرُ صَحِيحٍ.

فَقَدْ صَرَّحُوا بِنَذْرِ صَوْمِ الْجُمُعَةِ مَعَ كَرَاهَتِهِ وَأَخَذْت مِنْهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمَكْرُوهَ عَلَى قِسْمَيْنِ مَكْرُوهٌ لِذَاتِهِ وَمَكْرُوهٌ لِعَارِضٍ مَعَ كَوْنِهِ قُرْبَةً وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ بِخِلَافِ الثَّانِي ثُمَّ عَلَى الصِّحَّةِ قَالَ بَعْضُ الْأَوَّلِينَ فِي صُورَةِ الْأَرْضِ إنَّ النَّذْرَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ النَّاذِرِ بَلْ يَبْقَى لِوَرَثَتِهِ وَيُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ وَقَدْ مَرَّ بَسْطُ نَظِيرِ ذَلِكَ فِي جَوَابٍ قَبْلَ هَذَا وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ بُطْلَانِهِ بِمَوْتِهِ فَإِنَّ تَأْخِيرَ قَضَاءِ الدَّيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَدِينِ حَرَامٌ مَعَ الطَّلَبِ وَمَكْرُوهٌ مَعَ عَدَمِهِ وَكُلٌّ مِنْ الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ قَالَ فَاَلَّذِي نَجْزِمُ بِهِ الْبُطْلَانُ بِمَوْتِ النَّاذِرِ وَكَانَ نَذْرُهُ اشْتَمَلَ عَلَى قُرْبَةٍ وَغَيْرِهَا فَصَحَّ فِي الْقُرْبَةِ وَبَطَلَ فِي غَيْرِهَا قَالَ وَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ. اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ النَّذْرَ وَقَعَ خَالِيًا عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهُ وَإِنَّمَا كُلٌّ مِنْهُمَا شَيْءٌ طَرَأَ بَعْدَ انْعِقَادِ النَّذْرِ وَلُزُومِهِ فَلَا يَبْطُلُ النَّذْرُ فِيهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ تَابِعٌ لَا مَقْصُودٌ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ لَا يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَافَةِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يُعْرَفُ مَنْ يَصْبِرُ وَمَنْ لَا يَصْبِرُ وَلَوْ نَذَرَ أَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ عَلَى شَخْصٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَا يَصْبِرُ يُقْبَلُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَذْرُ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ عِيَالٌ حَرَامٌ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَكَذَا الْمَكْرُوهُ لِذَاتِهِ لَا لِعَارِضٍ كَصَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ النَّذْرِ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِيهِ.

أَمَّا لَوْ نَذَرَ بِمَا فَضَلَ عَنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ وَعَنْ حَاجَةِ نَفْسِهِ أَوْ كَانَ يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَافَةِ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ وَالْمُرَادُ بِالْكِفَايَةِ مَا يَكْفِي لِنَفَقَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَكِسْوَةِ فَصْلٍ وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى نَاذِرٍ أَوْ مُتَصَدِّقٍ فِي عَدَمِ صَبْرِهِ بَلْ يُصَدَّقُ الْمَنْذُورُ لَهُ بِيَمَنِهِ أَخْذًا بِقَاعِدَةِ تَصْدِيقِ مُدَّعِي الصِّحَّةِ غَالِبًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصْبِرُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ فَلَا اطِّلَاعَ لِلْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِعْسَارِ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالظَّاهِرِ فَيُمْكِنُ عِلْمُهُ بِخِلَافِ الصَّبْرِ وَعَدَمِهِ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَلْبِ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ وَبِفَرْضِ أَنَّ لَنَا اطِّلَاعًا عَلَيْهِ بِقَرَائِنِ أَحْوَالِهِ كَالْإِعْسَارِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ غَيْرُ مِلْكِهِ أَوْ وَقْفٌ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ لَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ أَنَّهُ لَا يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَافَةِ عَمِلَ بِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>