للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَهْلًا لِلْإِفْتَاءِ أَوْ صَدَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِعْجَالِهِ وَتَقْصِيرِهِ فِي اسْتِبَانَةِ الْحُكْمِ فَالْمُعْتَرِضُ عَلَيْهِ مَعْذُورٌ وَإِنْ أَتَى مِنْ أَلْفَاظِ التَّنْفِيرِ عَنْ تِلْكَ الْمَقَالَةِ بِمَا أَتَى لِأَنَّ بَيَانَ الْحَقِّ وَدَفْعَ غَيْرِ أَهْلِهِ عَنْ التَّعَرُّضِ لِمَا لَيْسُوا لَهُ بِأَهْلٍ وَاجِبَانِ عَلَى مُتَأَهِّلٍ لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِلْإِفْتَاءِ مُتَثَبِّتًا فِيمَا أَفْتَى بِهِ لَمْ يُعْذَرْ الْمُعْتَرَضُ عَلَيْهِ إلَّا إنْ بَيَّنَ سَبَبَ الْخَطَإِ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَوْ الْأَصْحَابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَمَعَ ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْأَدَبُ مَعَهُ فَلَا يُبْرِزُ انْتِقَاصًا لَهُ فِي ذَاتِهِ أَصْلًا وَأَمَّا إذَا أَرَادَ التَّنْفِيرَ عَنْ تِلْكَ الْمَقَالَةِ فَوَاسِعٌ لَهُ أَنْ يَقُولَ عَنْهَا هَذِهِ خَطَأٌ أَوْ بَاطِلٌ أَوْ لَا يَجُوزُ لِشَافِعِيٍّ الْعَمَلُ بِهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُنَفِّرَةِ عَنْ الْمَقَالَةِ لَا غَيْرُ هَذَا كُلُّهُ إنْ تَأَهَّلَ الْمُعْتَرِضُ وَإِلَّا مُنِعَ مِنْ الْكَلَامِ مِنْ أَصْلِهِ وَعَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ مَا وَقَعَ لِلْأَصْحَابِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ وَمَا وَقَعَ لِلْمُتَأَخِّرِينَ مَعَ الشَّيْخَيْنِ وَمَعَ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَلْفَاظِ الْغَلِيظَةِ الَّتِي يَأْتُونَ بِهَا إلَّا التَّنْفِيرَ عَنْ تِلْكَ الْمَقَالَةِ لَا غَيْرُ.

وَمَعَ ذَلِكَ الْأَوْلَى تَوْفِيَةُ اللِّسَانِ مَا أَمْكَنَ وَمَا فِي الرَّوْضَةِ إنْ فُرِضَ شُمُولُهُ لِمَسْأَلَتِنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْته فَتَأَمَّلْهُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا لَفْظُهُ أَطْلَقَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ أَنَّ مَنْ اسْتَعْمَلَ الْحَشِيشَةَ كَفَرَ فَهَلْ يُنْكَرُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ اُسْتُفْتِيَ عَنْ ذَلِكَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فَقَالَ لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ هَذَا الْإِطْلَاقُ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ فِي مَعْرِضِ الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ» فَيَكُونُ مُؤَوَّلًا عَلَى الْمُسْتَحِلِّ أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ كُفْرَ النِّعْمَةِ لَا كُفْرَ الْمِلَّةِ وَالْعَالِمُ إذَا أَفْتَى بِمِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ إنَّمَا يُطْلِقُهَا مُتَأَوِّلًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا الْمُرَادُ بِالْمُقَلِّدِ الَّذِي لَا يَصِحُّ إيمَانُهُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ بِهِ مِنْ نَشَأَ بِقُلَّةِ جَبَلٍ وَلَمْ يُرْزَقْ فِطْنَةً حَتَّى يَسْتَدِلَّ بِهَذَا الْعَالَمَ عَلَى أَنَّ لَهُ مُوجِدًا وَمُدَبِّرًا فَمَرَّ عَلَيْهِ شَخْصٌ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَاعْتَقَدَهُ وَجَزَمَ بِهِ تَقْلِيدًا لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَفَطَّنَ لِذَلِكَ الِاسْتِدْلَالِ وَهَذَا نَادِرٌ جِدًّا وَأَمَّا مَنْ قَالَ يَلْزَمُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ صِحَّةِ إيمَانِ الْمُقَلِّدِ تَكْفِيرُ الْعَوَامّ فَإِنَّمَا يَتَمَشَّى كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَلِّدِ مَنْ لَمْ يُتْقِنْ الدَّلِيلَ عَلَى قَوَاعِدِ الِاسْتِدْلَالِ وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اكْتَفَى مِنْ كَثِيرِينَ مِنْ أَجْلَافِ الْأَعْرَابِ وَالنِّسَاءِ بِمَا هُوَ فِي طَبْعِ كُلِّ أَحَدٍ حَتَّى الْعَجَائِزِ وَالصِّبْيَانِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالنُّجُومِ وَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْأَنْهَارِ وَالْأَشْجَارِ وَالزُّرُوعِ عَلَى أَنَّ لَهَا خَالِقًا وَمُدَبِّرًا وَعَلَى هَذَا لَا تَجِدُ عَامِّيًّا مُقَلِّدًا أَصْلًا.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَخْصٍ يَقْرَأُ وَيُطَالِعُ الْكُتُبَ الْفِقْهِيَّةَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْخٌ يُقَرِّرُ لَهُ الْمَسَائِلَ الدِّينِيَّةَ وَالدُّنْيَوِيَّةَ ثُمَّ إنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ مَسَائِلَ دِينِيَّةٍ وَدُنْيَوِيَّةٍ فَيُفْتِيهِمْ وَيَعْتَمِدُ عَلَى مُطَالَعَتِهِ فِي الْكُتُبِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ فِيمَا يُسْأَلُ عَنْهُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فَمَاذَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ لِهَذَا الْمَذْكُورِ الْإِفْتَاءُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ عَامِّيٌّ جَاهِلٌ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ بَلْ الَّذِي أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ الْمَشَايِخِ الْمُعْتَبَرِينَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ مِنْ كِتَابٍ وَلَا مِنْ كِتَابَيْنِ بَلْ قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا مِنْ عَشَرَةٍ فَإِنَّ الْعَشَرَةَ وَالْعِشْرِينَ قَدْ يَعْتَمِدُونَ كُلُّهُمْ عَلَى مَقَالَةٍ ضَعِيفَةٍ فِي الْمَذْهَبِ فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمْ فِيهَا بِخِلَافِ الْمَاهِرِ الَّذِي أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ أَهْلِهِ وَصَارَتْ لَهُ فِيهِ مَلَكَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ فَإِنَّهُ يُمَيِّزُ بَيْنَ الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِهِ وَيَعْلَمُ الْمَسَائِلَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَمَدِ بِهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُفْتِي النَّاسَ وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَاسِطَةً بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَلْزَمُهُ إذَا تَسَوَّرَ هَذَا الْمَنْصِبَ الشَّرِيفَ التَّعْزِيرُ الْبَلِيغُ وَالزَّجْرُ الشَّدِيدُ الزَّاجِرُ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ الْقَبِيحِ الَّذِي يُؤَدِّي إلَى مَفَاسِدَ لَا تُحْصَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ وَظِيفَةٍ شَغَرَتْ بِمَوْتِ صَاحِبِهَا فَأَقَامَ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِقَامَةِ شَخْصًا فِي الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ فَبَاشَرَهَا نَحْوًا مِنْ سَنَةٍ فَأَنْهَى فِي خِلَالِ ذَلِكَ شَخْصٌ آخَرُ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنَّ الْوَظِيفَةَ الْمَذْكُورَةَ شَاغِرَةٌ بِسَبَبِ وَفَاةِ صَاحِبِهَا الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِذِكْرِ مَنْ أُقِيمَ فِيهَا فَأَقَامَهُ فِيهَا وَلِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>