للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى مَذْهَبِهِمْ نُنْزِلُ الْفَرْعَ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِ ثُمَّ نَعْتَبِرُ حِينَئِذٍ السَّبْقَ إلَى الْوَارِث وَأَمَّا اعْتِبَارُ السَّبْقَ إلَيْهِ قَبْلَ التَّنْزِيلِ فَغَيْرُ مَقِيسٍ عَلَى مَذْهَبِ الْمُنْزَلِينَ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الصَّلَاحِ.

سُئِلَ عَمَّنْ تَرَكَ خَالًا وَابْنَيْ خَالَةٍ مَنْ يَرِثُ مِنْهُمَا؟

فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ يُصْرَفُ مِيرَاثُهُ إلَى مَنْ يُوَرِّثُهُ الْمُوَرِّثُونَ لِذَوِي الْأَرْحَامِ وَهَذَا الْجَوَابُ مُجْمَلٌ إذْ لَمْ يَتَبَيَّنْ مِنْهُ أَنَّ الْخَالَ يَحْجُبُ ابْنَيْ الْخَالَةِ أَمْ لَا.

ثُمَّ سُئِلَ عَمَّنْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَعَمَّةً وَابْنَتَيْ أَخٍ شَقِيقٍ فَأَفْتَى بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ بِأَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَالْبَاقِيَ بَيْنَ الثَّلَاثِ أَثْلَاثًا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَمَّةُ لِلْأُمِّ فَحَسْبُ فَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَ بِنْتَيْ الْأَخِ وَوَجَّهَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَذَلِكَ أَنِّي وَجَدْتُ الْعَمَّةَ تَتَرَجَّحُ بِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ التَّنْزِيلِ نَزَّلُوهَا أَبًا وَقَالُوا بِتَقْدِيمِهَا عَلَى ابْنَةِ الْأَخِ الَّتِي هِيَ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْأَخِ عِنْدَ أَهْلِ التَّنْزِيلِ أَجْمَعِينَ وَوَجَدْتُ ابْنَةَ الْأَخِ تَتَرَجَّحُ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَهْلَ الْقَرَابَةِ كَالْبَغَوِيِّ وَالْمُتَوَلِّي قَالُوا بِتَقْدِيمِ بِنْتِ الْأَخِ وَوَافَقَهُمْ بَعْضُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَّلَ الْعَمَّةَ عَمًّا فَقَدَّمُوا ابْنَةَ الْأَخِ عَلَيْهَا.

كَمَا يُقَدَّمُ الْأَخُ عَلَى الْعَمِّ فَرَأَيْتُ أَنْ لَا أُسْقِطُ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ بِالْأُخْرَى وَوَجَدْتُهُمَا مُتَعَادِلَتَيْنِ فَسَوَّيْتُ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَّلَ الْعَمَّةَ لِغَيْرِ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ الْجَدِّ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ حِكَايَةِ مَذْهَبِ أَنَّ إعْطَاءَ ذَوِي الْأَرْحَامِ عَلَى سَبِيلِ الْمَصْلَحَةِ لَا الْإِرْثِ فَرَأَيْتُ وَالْحَالُ عَلَى مَا وَصَفْتُ الْإِفْتَاءَ بِالْجَمْعِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُنَّ أَقْرَبُ الْوُجُوهِ وَأَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ وَأَرْعَاهَا لِلْجِهَاتِ فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْمَصِيرِ إلَيْهِ كَلَامُهُ مُلَخَّصًا ثُمَّ قَالَ فِي بِنْتَيْ أَخٍ وَابْنِ بِنْتٍ اجْتَهَدْتُ أَيَّامًا وَأَفْتَيْتُ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ بِأَنَّ لِابْنِ الْبِنْتِ النِّصْفَ وَلِبِنْتَيْ الْأَخِ النِّصْفَ بَيْنَهُمَا وَرَأَيْتُ الْمَيْلَ إلَى التَّنْزِيلِ أَقْرَبَ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ وَأَقْوَى اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْأَخِيرَةِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا بِقِيَاسِ مَذْهَبِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ أَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ لِلْعَمَّةِ لِأَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْأَبِ وَبِنْتَا الْأَخِ مُنَزَّلَتَانِ مَنْزِلَةَ الْأَخِ وَالْأَبُ يَحْجُبُ الْأَخَ فَكَذَا الْمُدْلِي بِالْأَبِ يَحْجُبُ الْمُدْلِيَ بِالْأَخِ تَنْزِيلًا لِكُلِّ فَرْعٍ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ حَجْبِ الْعَمَّةِ تَعَارَضَ فِيهَا مَذْهَبُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ وَالْقَرَابَةِ فَالْأَوَّلُونَ يُوَرِّثُونَهَا وَحْدَهَا وَأَهْلُ الْقَرَابَةِ يُوَرِّثُونَ بِنْتَيْ الْأَخِ وَحْدَهُمَا فَلِتَعَادُلِ الْمَذْهَبَيْنِ عِنْدَهُ قَالَ بِاشْتِرَاكِ الثَّلَاثِ وَفِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ مَذْهَبُ أَهْلِ الْقَرَابَةِ حَجْبُ الْخَالِ لِابْنِ الْخَالَةِ فَكَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ عَلَى مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ بِبَادِي الرَّأْيِ لِأَنَّ الْخَالَ أَقْرَبُ إلَى الْوَارِثِ فَلَا جَامِعَ بَيْنَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَمَا قَدَّمْتُهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بَلْ مَا ذَكَرْتُهُ فِي رَدِّهِ مِنْ حَجْبِ الْعَمَّةِ لِبِنْتِ الْأَخِ يُؤَيِّدُ حَجْبَ الْخَالِ لِابْنِ الْخَالَةِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْعَمَّةَ تُدْلِي إلَى غَيْرِ مَنْ تُدْلِي إلَيْهِ بِنْتُ الْأَخِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْعَمَّةَ تُدْلِي إلَى الْأَبِ وَبِنْتَ الْأَخِ تُدْلِي إلَى وَارِثٍ آخَرَ غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَخُ وَلَا كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّ الْخَالَ يُدْلِي إلَى الْأُمِّ وَابْنُ الْخَالَةِ لَا يُدْلِي لِوَارِثٍ غَيْرِ الْأُمِّ.

بَلْ إنَّمَا يُدْلِي لَهَا أَيْضًا بَعْد تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ أُمِّهِ الَّذِي هُوَ طَرِيقَةُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ فَاسْتَوَيَا هُنَا فِي الْإِدْلَاءِ إلَى وَارِثٍ فَلِمَ يَحْجُبْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَأَمَّا الْعَمَّةُ وَبِنْتُ الْأَخِ فَلَمْ يَسْتَوِيَا فِي ذَلِكَ بَلْ أَدْلَيَا بِوَارِثَيْنِ مُخْتَلِفِينَ فَنَظَرْنَا لِحَجْبِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ وَعَمِلْنَا بِذَلِكَ فَقُلْنَا بِحَجْبِ الْعَمَّةِ لِبِنْتِ الْأَخِ فَإِنْ قُلْتَ يُؤَيِّدُ حَجْبَ الْخَالِ لِابْنِ الْخَالَةِ قَوْلُ ابْنِ الصَّرْدِ فِي كَافِيهِ بِنْتُ خَالٍ وَخَالَةٍ أَمْ الْمَالُ لِخَالَةِ الْأُمِّ لِأَنَّكَ إذَا نَزَّلْتَهَا دَرَجَةً صَارَتْ جَدَّةً وَبِنْتُ الْخَالِ إذَا نَزَّلْتهَا دَرَجَةً صَارَتْ خَالًا وَلَمْ تَصِل إلَى الْوَارِثِ قُلْتُ الْفَرْقُ بَيْن هَذِهِ وَصُورَةِ السُّؤَالِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ بِنْتَ الْخَالِ بَعْد تَنْزِيلِهَا مَنْزِلَةَ أَصْلِهَا لَا تُسَاوِي خَالَةَ الْأُمِّ فِي دَرَجَتِهَا بَلْ هِيَ بَعْد التَّنْزِيلِ أَعْلَى مِنْهَا بِدَرَجَةٍ فَلِذَلِكَ نَزَّلْنَا خَالَةَ الْأُمِّ مَنْزِلَةَ الْجَدَّةِ فَلَا تَسْبِقُهَا بِنْتُ الْخَالِ بِدَرَجَةٍ بَعْد تَنْزِيلِهَا مَنْزِلَةَ أَبِيهَا وَهُوَ الْخَالُ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَابْنُ الْخَالَةِ بَعْد تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ أُمِّهِ يُسَاوِي الْخَالَ فِي دَرَجَتِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ اسْتِوَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْقُرْبِ إلَى الْأُمِّ فَلَمْ يَبْقَ مُسَوِّغٌ لِحَجْبِ الْخَالِ لِابْنِ الْخَالَةِ فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِاسْتِوَائِهِمَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْكَافِي بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ بَعْد أَنْ ذُكِرَ إنَّكَ تُنَزِّلُ كُلًّا مِنْهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يُدْلِي بِهِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي دَرَجَةٍ فَإِنَّك تُوَرِّثُ كُلَّ وَاحِدٍ مِيرَاثَ مَنْ يُدْلِي بِهِ وَإِنْ سَبَقَ بَعْضُهُمْ إلَى وَارِثٍ بِدَرَجَةٍ انْفَرَدَ بِجَمِيعِ الْمَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>