للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُبَالَغَةُ فِي تَطْوِيلِ الرُّكُوعِ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي السُّجُودِ هَلْ يَطُولُ أَوْ لَا وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ إلَّا إشَارَةً لِمَا ذَكَرْتُهُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ هَذَا الْوَقْتَ هُوَ وَقْتُ التَّوَسُّلِ إلَى اللَّهِ بِتَكْلِيفِ النَّفْسِ سَائِرَ الْمَشَقَّاتِ الَّتِي لَهَا عَلَيْهَا نَوْعُ قُدْرَةٍ لَعَلَّ أَنْ يَنْكَشِفَ عَنْ النَّاسِ مَا حَلَّ بِهِمْ هَذَا وَلَمْ يَتَكَرَّرْ الرُّكُوعُ وَحْدَهُ بَلْ تَكَرَّرَتْ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالِاعْتِدَالُ أَيْضًا فَحِكْمَةُ تَكْرِيرِ الِاعْتِدَالِ أَنَّهُ تَابِعٌ لِأَنَّهُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَزِمَهُمْ مِنْ تَكْرِيرِ الرُّكُوعِ تَكْرِيرُهُ فَتَكْرِيرُهُ تَبَعٌ لِتَكْرِيرِ الرُّكُوعِ. وَأَمَّا تَكْرِيرُ الْفَاتِحَةِ فَلِاشْتِمَالِهَا عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِجَامِعِ صِفَاتِهِ الْكُلِّيَّةِ وَعَلَى اللَّجَاءَةِ إلَيْهِ تَعَالَى فِي سَائِرِ الْأُمُورِ فَنَاسَبَ تَكْرِيرُ ذَلِكَ لِيَكُونَ سَبَبًا لِرَفْعِ مَا حَلَّ بِالنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ الْإِزْعَاجِ وَالتَّخْوِيفِ الْعَظِيمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ مَا حَقِيقَةُ زَلْزَلَةِ الْأَرْضِ الْمَعْهُودَةِ الْمُسَمَّاةُ بِالرَّاجِفَةِ؟

(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ: أَمَّا حَقِيقَةُ الزَّلْزَلَةِ فَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْعُقُوبَاتِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ ق مُحِيطٌ بِالْعَالَمِ وَعُرُوقُهُ إلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْأَرْضُ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُزَلْزِلَ قَرْيَةً أَمَرَ ذَلِكَ الْجَبَلَ فَحَرَّكَ الْعِرْقَ الَّذِي يَلِي تِلْكَ الْقَرْيَةَ فَيُزَلْزِلُهَا وَيُحَرِّكُهَا فَمِنْ ثَمَّ تُحَرَّكُ الْقَرْيَةُ دُونَ الْقَرْيَةِ وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْهُ قَالَ: جَبَلُ ق مُحِيطٌ بِالدُّنْيَا وَقَدْ أَنْبَتَ اللَّهُ مِنْهُ الْجِبَالَ وَشَبَّكَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ بِعُرُوقِهِ كَالشَّجَرَةِ كَالْأَوْتَادِ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُزَلْزِلَ أَرْضًا أَوْحَى إلَى ق فَحَرَّكَ الْعِرْقَ

وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ لَمَّا بَلَغَ الْجَبَلَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ ق نَادَاهُ مَلَكٌ فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مَا هَذَا الْجَبَلُ قَالَ هَذَا جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ ق وَهُوَ أُمُّ الْجِبَالِ وَالْجِبَالُ كُلُّهَا مِنْ عُرُوقِهِ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُزَلْزِلَ قَرْيَةً حَرَّكَ مِنْهُ عِرْقًا وَقَدْ يُعَارِضُ هَذِهِ الْآثَارَ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُخَوِّفَ عِبَادَهُ أَبْدَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ آثَارِ قُدْرَتِهِ لِلْأَرْضِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَزَلْزَلَتْ وَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ عَرْضَ كُلِّ أَرْضٍ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ. وَأَنَّ بَيْنَ كُلِّ أَرْضَيْنِ ذَلِكَ وَالْأَرْضُ السَّابِعَةُ فَوْقَ الثَّرَى وَاسْمُهَا تُخُومٌ وَأَنَّ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ فِيهَا ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّ الثَّرَى فَوْقَ الصَّخْرَةِ وَالصَّخْرَةُ عَلَى الثَّوْرِ وَالثَّوْرُ لَهُ قَرْنَانِ وَلَهُ ثَلَاثُ قَوَائِمَ يَبْتَلِعُ مَاءَ الْأَرْضِ كُلِّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالثَّوْرُ عَلَى الْحُوتِ وَذَنَبُ الْحُوتِ عِنْدَ رَأْسِهِ مُسْتَدِيرٌ تَحْتَ الْأَرْضِ السُّفْلَى وَطَرَفَاهُ مُنْعَقِدَانِ تَحْتَ الْعَرْشِ.

«وَأُخْبِرْت أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَاءِ الْحُوتُ قَالَ عَلَى مَاءٍ أَسْوَدَ وَمَا أَخَذَ مِنْهُ إلَّا كَمَا أَخَذَ حُوتٌ مِنْ حِيتَانِكُمْ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْبِحَارِ» . وَحَدِيثُ «أَنَّ إبْلِيسَ تَغَلْغَلَ إلَى الْحُوتِ فَعَظَّمَ لَهُ نَفْسَهُ وَقَالَ لَيْسَ خَلْقٌ بِأَعْظَمَ مِنْك غِنًى وَلَا أَقْوَى فَوَجَدَ الْحُوتُ فِي نَفْسِهِ فَتَحَرَّكَ فَمِنْهُ تَكُونُ الزَّلْزَلَةُ إذَا تَحَرَّكَ فَبَعَثَ اللَّهُ حُوتًا صَغِيرًا فَأَسْكَنَهُ فِي أُذُنِهِ فَإِذَا ذَهَبَ يَتَحَرَّكُ تَحَرَّكَ الَّذِي فِي أُذُنِهِ فَيَسْكُنُ» وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ فِي ذَلِكَ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِإِمْكَانِ الْجَمْعِ فَنَقُولُ يُحْتَمَلُ أَنَّ تَحَرُّكَ عِرْقٍ مِنْ جَبَلِ ق وَظُهُورَ بَعْضِ آثَارِ الْقُدْرَةِ لِلْأَرْضِ وَتَحَرُّكَ الْحُوتِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَنْشَأُ عِنْدَ الزَّلْزَلَةِ، فَتَارَةً يَكُونُ عَنْ الْأَوَّلِ وَأُخْرَى عَنْ الثَّانِي وَأُخْرَى عَنْ الثَّالِثِ. وَهَذَا الْجَمْعُ مُتَعَيَّنٌ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ جَمِيعِ الْآثَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا وَرَدَ عَنْ الصَّحَابِيِّ مِمَّا لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَاَلَّذِي مَرَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَذَلِكَ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَعَلَى هَذَا فَالْجَوَابُ عَمَّا مَرَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِمَّا ظَاهِرُهُ التَّنَافِي فَمِنْ بَعْضِ الطُّرُقِ عَنْهُ أَنَّ السَّبَبَ تَحَرُّكُ ق وَفِي بَعْضِهَا عَنْهُ أَنَّهُ التَّجَلِّي أَنَّ كُلًّا سَبَبٌ نَظِيرُ مَا مَرَّ إنْ صَحَّا وَإِلَّا فَمَا صَحَّ مِنْهُمَا وَبِهَذِهِ الْآثَارِ كُلِّهَا رُدَّ عَلَى الْحُكَمَاءِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الزَّلَازِلَ إنَّمَا تَكُونُ عَنْ كَثْرَةِ الْأَبْخِرَةِ عَنْ تَأْثِيرِ الشَّمْسِ وَاجْتِمَاعِهَا تَحْتَ الْأَرْضِ بِحَيْثُ لَا يُقَاوِمُهَا بُرُودَةٌ حَتَّى يَصِيرَ مَاءً وَلَا يَتَحَلَّلُ بِأَدْنَى حَرَارَةٍ لِكَثْرَتِهَا وَيَكُونُ وَجْهُ الْأَرْضِ صُلْبًا بِحَيْثُ لَا تَنْفُذُ الْبُخَارَاتُ مِنْهَا وَإِذَا صَعِدَتْ وَلَمْ تَجِدْ مَنْفَذًا اهْتَزَّتْ مِنْهَا الْأَرْضُ وَاطَّرَبَتْ كَمَا يَطَّرِبُ بَدَنُ الْمَحْمُومِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>