للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَيَكُونُ نَقْلًا لِلْإِجْمَاعِ وَقِيلَ عَنْ بَعْضِهِمْ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ مَشْهُورًا فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ثُمَّ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ عَنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِتْنَةِ سُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ صَحِيحٌ.

وَيُؤَيِّدُهُ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ «أُوحِيَ إلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ فَيُقَالُ مَا عِلْمُك بِهَذَا الرَّجُلِ» إلَخْ وَرَوَى ابْن أَبِي الدُّنْيَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعُمَرَ كَيْفَ أَنْتَ إذَا رَأَيْت مُنْكَرًا وَنَكِيرًا قَالَ وَمَا مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ قَالَ فَتَّانَا الْقَبْرِ» الْحَدِيثُ وَفِي مُرْسَلٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ «فَتَّانُ الْقَبْرِ ثَلَاثَةٌ أَنَكُورُ وَنَاكُورُ وَرُومَانُ» وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ «فَتَّانُو الْقَبْرِ أَرْبَعَةٌ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ وَنَاكُورُ وَرُومَانُ» .

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذِكْرِ السَّبْعَةِ الْأَيَّامِ مُعَارَضَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ وَهَذَا فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَيْهَا فَوَجَبَ قَبُولُهَا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ وَقَوْلُهُ فِيهَا نَمْ صَالِحًا لَا يُنَافِيهِ السُّؤَالُ فِي يَوْمٍ ثَانٍ وَهَكَذَا خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَطْلَقَ السُّؤَالَ فِيهَا وَفِي حَدِيثٍ حَسَنٍ إنَّ السُّؤَالَ يُعَادُ عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ جَاءَ فِي أَحَادِيثَ إنَّ السَّائِلَ مَلَكٌ وَفِي أَحَادِيثَ إنَّهُ مَلَكَانِ وَأَحَادِيثَ إنَّهُ ثَلَاثَةٌ وَأَحَادِيثَ إنَّهُ أَرْبَعَةٌ وَلَا تَنَافِيَ لِأَنَّ ذَاكِرَ الْوَاحِدِ لَمْ يَقُلْ وَلَا يَأْتِيهِ غَيْرُهُ ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ.

وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ السُّؤَالَ فِيمَا بَعْدَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ تَأْكِيدٌ لَهُ لِحَدِيثِ إنَّهُمْ لَا يُسْأَلُونَ عَنْ شَيْءٍ سِوَى مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ الْأَوَّلِ وَحِكْمَةُ التَّكْرِيرِ تَمْحِيصُ الصَّغَائِرِ وَإِظْهَارُ شَرَفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَزِيَّتِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّ سُؤَالَ الْقَبْرِ إنَّمَا جُعِلَ تَعْظِيمًا لَهُ إذْ لَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ لِنَبِيٍّ غَيْرِهِ وَصَحَّ حَدِيثُ «وَأَمَّا فِتْنَةُ الْقَبْرِ فَبِي يُفْتَنُونَ وَعَنِّي يُسْأَلُونَ» وَبَيَّنَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ سُؤَالَ الْقُبُورِ خَاصٌّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنْ قُلْت لِمَ كَرَّرَ الْإِطْعَامَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ دُونَ التَّلْقِينِ قُلْت لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْإِطْعَامِ مُتَعَدِّيَةٌ وَفَائِدَتُهُ لِلْمَيِّتِ أَعْلَى إذْ الْإِطْعَامُ عَنْ الْمَيِّتِ صَدَقَةٌ وَهِيَ تُسَنُّ عَنْهُ إجْمَاعًا وَالتَّلْقِينُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ بِدْعَةٌ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ عِنْدَنَا خِلَافَهُ لِمَجِيءِ الْحَدِيثِ بِهِ وَالضَّعِيفُ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْفَضَائِلِ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا لَفْظُهُ مَا مَيِّتٌ مَاتَ وَلَمْ تَطْلُعْ رُوحُهُ كَمَا صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ بِذَلِكَ النُّطَفُ فِي الْأَصْلَابِ سَمَّاهَا اللَّهُ أَمْوَاتًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رُوحٌ فَقَالَ {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة: ٢٨] .

(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ عَنْ تَرْكِ الْعِيَادَةِ لِلْمَرْضَى يَوْمَ السَّبْتِ هَلْ لَهُ أَصْلٌ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا أَصْلَ لَهُ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ اخْتَرَعَهَا بَعْضُ الْيَهُودِ لَمَّا أَلْزَمَهُ الْمَلِكُ بِقَطْعِ سَبْتِهِ وَالْإِتْيَانِ لِمُدَاوَاتِهِ فَتَخَلَّصَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُدْخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَوْمَ السَّبْتِ فَتَرَكَهُ وَأَمَّا زَعْمُ بَعْضِهِمْ أَنَّ لِذَلِكَ أَصْلًا وَهُوَ زِيَارَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُبُورَ يَوْمَ السَّبْتِ قَالَ فَفِيهِ تَفَاؤُلٌ عَلَى مَوْتِ الْمَرِيضِ فَهُوَ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إشَارَةٌ لِذَلِكَ بِوَجْهٍ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ فَتَرْكُ ذَلِكَ لِذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّشَاؤُمِ وَالطِّيَرَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُمَا وَالْمُسْلِمُونَ بُرَآءُ مِنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا إلَّا كَقَوْلِ بَعْضِ الْعَوَامّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَارَ الْمَرِيضُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ فِيهِ وَهَذَا أَيْضًا مِنْ بَابِ التَّشَاؤُمِ وَالطِّيَرَةِ.

نَعَمْ هُنَا فَائِدَةٌ دَقِيقَةٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهَا وَهِيَ أَنَّهُ رَسَخَ فِي أَذْهَانِ الْعَوَامّ أَنَّ أَيَّامًا مَشْئُومَةً عَلَى الْمَرِيضِ إذَا أُعِيدَ فِيهَا فَيَنْبَغِي لِمَنْ عُلِمَ مِنْهُ اعْتِقَادُ ذَلِكَ أَنْ لَا يُعَادَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤْذِي الْمَرِيضَ وَيَزِيدُ فِي مَرَضِهِ لِمَا رَكَزَ فِي عُقُولِهِمْ السَّخِيفَةِ مِنْ التَّشَاؤُمِ وَالطِّيَرَةِ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ كَبِيرٌ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَقَدْ تُتْرَكُ السُّنَّةُ لِعَوَارِضَ قَوِيَّةٍ.

فَإِنْ قُلْت يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إظْهَارًا لِلسُّنَّةِ وَإِعْلَامًا لِلنَّاسِ بِهَا لِيَتْرُكُوا مَا فِي أَذْهَانِهِمْ قُلْت هَذَا وَاضِحٌ إنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِمْ الْجَهْلُ وَالتَّشَاؤُمُ وَيَرْسَخُ ذَلِكَ فِي أَذْهَانِهِمْ حَتَّى يُعَادُوا بِسَبَبِهِ الْعَالِمَ وَيَسْتَسْخِرُوا بِهِ وَيَحْصُلَ لَهُ مِنْهُمْ مِنْهُ أَذًى شَدِيدٌ أَمَّا إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَتَرْكُهُ أَوْلَى لِأَنَّ

دَرْءَ الْمَفَاسِدِ

أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي أَجَلِهِ عَمَّا اُعْتِيدَ مِنْ أَنَّ مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ مَعَهُ بِشَيْءٍ وَإِلَّا عِيبَ عَلَيْهِ هَلْ لَهُ أَصْلٌ أَوْ هُوَ بِدْعَةٌ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا أَصْلَ لِذَلِكَ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ إنْ كَانَ مَعَ اعْتِقَادِهِ تَوَقُّفُ الْعِيَادَةِ عَلَى شَيْءٍ يَصْحَبُهُ مَعَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>