للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ، وَمَنْ لَا يَحِلُّ ذِبْحُهُ كَمَجُوسِيٍّ أَوْ وَثَنِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ أَوْ مُتَوَلَّدٍ بَيْنَ مَنْ يَحِلُّ ذِبْحُهُ وَمَنْ لَا يَحِلُّ ذِبْحُهُ، وَرُئِيَ بِتِلْكَ الْبَلَدِ شِيَاهٌ مَذْبُوحَةٌ مَثَلًا وَشُكَّ هَلْ ذَبَحَهَا مَنْ يَحِلُّ ذِبْحُهُ لَمْ تَحِلَّ لِلشَّكِّ فِي الذَّبْحِ الْمُبِيحِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ نَعَمْ بَحَثَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَنْ يَحِلُّ ذِبْحُهُ لَوْ كَانَ أَغْلِبَ فِي تِلْكَ الْبَلَدِ كَأَنْ كَانَ أَكْثَرُهَا مُسْلِمِينَ أَوْ كِتَابِيِّينَ حَلَّتْ تِلْكَ الشِّيَاهُ الْمَذْبُوحَةُ مَثَلًا، وَالْعِبْرَةُ فِي ذَلِكَ بِالْبَلَدِ دُونَ الْمَحَلَّةِ مِنْهَا حَتَّى لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ مَحَلَّةٌ كُلُّ أَهْلِهَا مُسْلِمُونَ وَبَقِيَّةُ مَحَالِّهَا كُفَّارٌ أَوْ كُفَّارٌ وَمُسْلِمُونَ، وَمَنْ لَا يَحِلُّ ذِبْحُهُ أَكْثَرُ حُرِّمَتْ تِلْكَ الشَّاةُ وَإِنْ وُجِدَتْ فِي مَحَلَّةٍ مِنْ الْبَلَدِ، وَلَيْسَ بِتِلْكَ الْمَحَلَّةِ كَافِرٌ. لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لَيْسَ بِالْمَحَلَّةِ وَحْدَهَا، بَلْ بِجَمِيعِ الْبَلَدِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الشَّكِّ فَحَيْثُ شُكَّ فِي ذَابِحِ تِلْكَ الشَّاةِ، وَمَنْ لَا يَحِلُّ ذِبْحُهُ أَكْثَرُ حُرِّمَتْ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ أَرْضٍ بَعْضُهَا صَدَقَةٌ عَلَى جِهَةٍ أَوْ مُعَيَّنٍ، وَبَاقِيهَا مِلْكٌ لِطَائِفَةٍ وَجَهِلَ كَمْ قَدْرُ الصَّدَقَةِ مِنْ الْأَرْضِ، أَيَجُوزُ التَّحَرِّي هُنَا أَوْ لَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ فَتَحَرَّى فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ مَا حُكْمُهُ؟ وَكَذَلِكَ نَخْلَةٌ عَلَى جِهَةٍ أَوْ مُعَيَّنٍ فِي نَخَلَاتٍ مَمْلُوكَةٍ.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا صَرَّحُوا بِمَا يَعُمُّ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ، وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَجْوِبَةِ أَسْئِلَةِ الْفَقِيهِ الْإِمَامِ عُثْمَانَ، وَيُوَافِقُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ لَوْ اخْتَلَطَ حَمَامُهُ بِحَمَامِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَتَمَيَّزَا فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِ مِلْكِهِ بِالِاجْتِهَادِ وَالْوَرَعِ لَا يَخْفَى، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَحَرَّى وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَدَقَةٌ وَمَا شَكَّ فِيهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ هَذَا إنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْبَعْضِ الصَّدَقَةَ وَالْبَعْضُ الْمِلْكَ مُفْرَزًا عَنْ الْآخَرِ قَبْلَ الِاشْتِبَاهِ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَرْضِ صَدَقَةً مَشَاعًا وَبَعْضُهَا مِلْكًا مَشَاعًا، وَانْبَهَمَ فَيَجُوزُ الِاجْتِهَادُ أَيْضًا وَلَهُ أَخْذُ مَا ظَنَّهُ حَقَّهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ: لَوْ اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ أَوْ دُهْنٌ حَرَامٌ بِدَرَاهِمِهِ أَوْ دُهْنِهِ مَثَلًا فَلَهُ إفْرَازُ غَيْرِ مِلْكِهِ، وَصَرْفُهُ لِجِهَةِ اسْتِحْقَاقِهِ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْبَاقِي وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ.

وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الشَّرِيكَ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْقِسْمَةِ فَلْيَرْفَعْهُ إلَى الْقَاضِي؛ لِيُقَاسِمَهُ عَنْ الْمَالِكِ إذَا تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَتُهُ أَوْ حُضُورُهُ، فَإِلْحَاقُ الرَّافِعِيِّ لَهُ بِالِاخْتِلَاطِ الْحَمَامَيْنِ كَأَنَّهُ أَرَادَ فِي طَرِيقِ التَّصَرُّفِ اهـ.

وَيُجَابُ بِأَنَّ الْأَوْجَهَ بَقَاءُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِالْقِسْمَةِ هُنَا عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ؛

لِلضَّرُورَةِ

إذْ لَوْ كَلَّفْنَاهُ الرَّفْعَ لِلْقَاضِي احْتَاجَ إلَى إثْبَاتِ مِلْكِهِ وَالِاخْتِلَاطِ مَعَ مَا فِي الرَّفْعِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالْكُلْفَةِ؛ فَلِذَلِكَ سَاغَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِالْقِسْمَةِ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا جَازَ لِلدَّائِنِ الظَّفَرُ بِمَالِ مَدِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ وَيَجْرِي نَظِيرُ هَذَا فِي صُورَتِنَا فِيمَا يَظْهَرُ فَلَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِأَخْذِ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ مَثَلًا بِقَدْرِ حِصَّةِ حَقِّهِ ظَنًّا، وَلَا يَلْزَمُهُ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي

لِلضَّرُورَةِ

قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ اخْتَلَطَ حَمَامُهُ بِحَمَامَةٍ فَلَهُ أَكْلُهُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ فِيهِ إلَّا وَاحِدَةً، وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ ثَمَرُ غَيْرِهِ بِثَمَرِهِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَاحِدَةً حَتَّى يُصَالِحَ ذَلِكَ الْغَيْرَ أَوْ يُقَاسِمَهُ، وَلِنَاظِرِ الصَّدَقَةِ وَالْمَالِكِ الْقِسْمَةُ بِالرِّضَا إنْ رَأَى النَّاظِرُ الْمَصْلَحَةَ فِي الْقِسْمَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ فِي اخْتِلَاطِ الْحَمَامِ: لِلْمَالِكَيْنِ ذَلِكَ مَعَ الْجَهْلِ

لِلضَّرُورَةِ

وَإِنَّمَا اشْتَرَطْت فِي النَّاظِرِ مَا ذَكَرْته؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ عَنْ الْغَيْرِ فَلَزِمَ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ لَهُ إلَّا بِالْمَصْلَحَةِ كَمَا هُوَ شَأْنُ كُلِّ مُتَصَرِّفٍ عَنْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - بِمَا لَفْظُهُ هَلْ غَلَبَةُ الظَّنِّ تُخَالِفُ مُجَرَّدَ الظَّنِّ إذْ هُوَ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: جَرَى ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى اتِّحَادِهِمَا حَيْثُ قَالَ فِي قَوْلِ الْغَزَالِيِّ فِي الْقَذْفِ:

(وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ زِنَاهَا) اسْتَعْمَلَ هُوَ وَغَيْرُهُ الظَّنَّ هُنَا فِي مُطْلَقِ التَّرَدُّدِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الرَّاجِحِ مِنْهُ، وَهُوَ اصْطِلَاحُ الْمُتَقَدِّمِينَ إذْ جَعَلَ غَلَبَةَ الظَّنِّ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ، وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ بِحَسَبِ اصْطِلَاحِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَقْيِيدِهِ بِالْغَلَبَةِ لِأَنَّ أَوَّلَ الدَّرَجَاتِ تَكْفِي فِيهِ إذَا لَا ضَابِطَ بَعْدَهَا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِي اكْتِفَائِهِ هُنَا بِمُجَرَّدِ الرُّجْحَانِ نَظَرًا، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ خِلَافُهُ، وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى مُجَرَّدِ الرُّجْحَانِ وَكَذَا فَهِمَهُ صَاحِبُ الْإِمَامِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْهُ فَقَالَ: إذَا عَلِمَ زِنَاهَا يَقِينًا أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>