للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَا قُلْنَاهُ وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ فَيَجْرِي فِيهِ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ فَإِنْ قُلْت لَا دَلَالَةَ فِي هَذَا كُلِّهِ لِمَا ذَكَرْت لِأَنَّ فَحَوَى عِبَارَاتِهِمْ أَنَّهَا فِي الثَّمَنِ وَمَا ذَكَرْت إنَّمَا هُوَ فِي الْمُثَمَّنِ وَفَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنهمَا إذْ الْمُثَمَّنُ مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ بِخِلَافِ الثَّمَنِ وَلِذَا جَازَ الِاسْتِبْدَالُ عَنْ الثَّمَنِ دُونَ الْمُثَمَّنِ قُلْتُ بَلْ فِيهِ دَلَالَةٌ أَيْ دَلَالَةٌ لِمَا ذَكَرْته لِأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا الثَّمَنَ عَلَى جِهَةِ الِاخْتِصَاصِ بِهِ بَلْ عَلَى جِهَةِ التَّمْثِيلِ عَلَى أَنَّهُمْ أَجْرَوْا الْعَادَةَ فِي الْمُثَمَّنِ بَلْ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ الَّذِي هُوَ أَضْيَقُ أَنْوَاعِ الْمُثَمَّنِ فَقَدْ قَالُوا لَوْ أُسْلِمَ إلَيْهِ فِي لَحْمٍ وَأُطْلِقَ حُمِلَ عَلَى اللَّحْمِ مَعَ الْعَظْمِ الْمُعْتَادِ فَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ عَمَلًا بِالْعَادَةِ وَقَالُوا لَوْ أُسْلِمَ فِي مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ وَثَمَّ مَكَايِيلُ أَوْ مَوَازِينُ وَلَمْ يُبَيِّنَا وَاحِدًا مِنْهَا حُمِلَ عَلَى الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ الْغَالِبِ.

فَانْظُرْ جَعْلَهُمْ الْعُرْفَ مُؤْثَرًا فِي شُمُولِ اللَّحْمِ لِلْعَظْمِ مَعَ مُغَايِرَتِهِ لَهُ حَقِيقَةً وَاسْتِعْمَالًا وَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ عَدَمِ شَرْطِ صِحَّةِ السَّلَمِ مِنْ بَيَانِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْعُرْفَ صَيَّرَ ذَلِكَ كَالْمَذْكُورِ فِي الْعَقْدِ فِيهِمَا فَإِنْ قُلْت قَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا يَعْمَلُ فِي إزَالَةِ الْإِيهَامِ لَا فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ وَمَا ذَكَرْتُهُ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِمُقْتَضَى الصَّرِيحِ إذْ السَّاعَةُ صَرِيحَةٌ فِي الزَّمَانِ فَلَا يُغَيِّرُهَا الْعُرْفُ عَنْ مُقْتَضَاهَا قُلْتُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ مَا فَهِمْته إذْ لَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ لَفْظِهِ فَقِيهٌ بَلْ وَلَا مُتَفَقِّهٌ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ صِيَغُ الْعُقُودِ وَالْحُلُولِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ لَوْ عَمَّ فِي نَاحِيَةٍ اسْتِعْمَالُ الطَّلَاقِ فِي إرَادَةِ الْخَلَاصِ وَالِانْطِلَاقِ ثُمَّ أَرَادَ الزَّوْجُ حَمْلَ الطَّلَاقِ فِي مُخَاطَبَةِ زَوْجَتِهِ عَلَى مَعْنَى التَّخْلِيصِ وَحَلِّ الْوِثَاقِ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ وَالْعُرْفُ إنَّمَا يَعْمَلُ فِي إزَالَةِ الْإِيهَامِ لَا فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُرَادَهُ بِالصَّرَائِحِ مَا ذَكَرْته وَمَسْأَلَتُنَا لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّ لَفْظَ السَّاعَةِ فِيهَا لَا يُقَالُ فِيهَا صَرِيحٌ فِي الِاصْطِلَاحِ فَلَا يَشْمَلُهُ كَلَامُ الْإِمَامِ.

فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ أَثَّرَ الْعُرْفُ فِي غَيْرِ الصَّرِيحِ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ قُلْت لِأَنَّ الصَّرِيحَ وَضْعٌ شَرْعِيٌّ وَضَعَهُ الشَّارِعُ لِيُنَاطَ بِهِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَلَا تُوجَدُ بِدُونِهِ وَالْأَوْضَاعُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا تُغَيِّرْ عَنْ مَعَانِيهَا لِلْأَوْضَاعِ الْعُرْفِيَّةِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ نَسْخِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِشَيْءٍ حَادِثٍ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الشَّرِيعَةِ غَيْرِ مُتَلَقٍّ مِنْ الشَّارِعِ وَالْوَضْعُ الشَّرْعِيُّ إنَّمَا يُنْسَخُ بِوَضْعٍ شَرْعِيٍّ مِثْله وَأَمَّا غَيْرُ الصَّرِيحِ فَإِنَّهَا أَلْفَاظٌ وَكُلُّ اسْتِعْمَالِهَا إلَى مُسْتَعْمِلِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاصْطِلَاحَ الْخَاصَّ يَرْفَعُ الِاصْطِلَاحَ الْعَامَّ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهَا فِي مَوْضُوعِهَا اللُّغَوِيِّ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَحَرَّرْنَاهُ بِأَوْضَحِ عِبَارَةٍ وَأَظْهَرْ دَلِيلٍ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ غَيْرَ الصَّرَائِحِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ اتَّضَحَ مَا قُلْنَاهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ أَنَّ لِلْعُرْفِ فِيهَا تَأْثِيرًا وَإِخْرَاجًا لَهَا عَنْ مَدْلُولِهَا إلَى مَدْلُولٍ آخَرَ سَوَاءٌ أَكَانَ عُرْفًا عَامًّا أَوْ عُرْفًا خَاصًّا فَإِنْ قُلْت يُرَدُّ مَا قَرَّرْته تَقْدِيمُهُمْ الْوَضْعَ الْعُرْفِيَّ عَلَى الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ فِي مَسَائِلَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ لَا يَقْعُدُ فِي سِرَاجٍ أَوْ تَحْتَ سَقْفٍ أَوْ لَا يَضَعُ رَأْسَهُ عَلَى وَتَدٍ أَوْ لَا يَأْكُلُ مَيْتَةً أَوْ دَمًا لَمْ يَحْنَثْ بِلَحْمِ السَّمَكِ وَلَا بِالْجُلُوسِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا بِالْقُعُودِ تَحْتَ السَّمَاءِ وَلَا بِوَضْعِ رَأْسِهِ عَلَى جَبَلٍ وَلَا بِأَكْلِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَلَا بِأَكْلِ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ.

وَإِنْ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى لَحْمَ السَّمَكِ لَحْمًا وَالْأَرْضَ بِسَاطًا وَالشَّمْسَ سِرَاجًا وَالسَّمَاءِ سَقْفًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا وَسَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّمَكَ وَالْجَرَادَ مَيْتَةً وَالْكَبِدَ وَالطِّحَالَ دَمًا قُلْت قَدْ أَشَرْت لَك إلَى الْجَوَابِ عَنْ جَمِيعِ هَذَا فِي أَوَّلِ الْجَوَابِ السَّابِقِ بِقَوْلِي وَضَعَهُ الشَّارِعُ لِيُنَاطَ بِهِ إلَخْ وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ الَّتِي وَقَعَتْ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ تَقَعْ عَلَى جِهَةِ التَّكْلِيفِ بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهَا أَحْكَامًا كُلِّفْنَا بِهَا حَتَّى تَكُونَ تِلْكَ التَّسْمِيَةُ مَقْصُودَةً لَهُ بِخِلَافِ أَلْفَاظِ الْعُقُودِ وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ وَضَعَ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ لِتُفِيدَ الْأَحْكَامَ الَّتِي رَتَّبَهَا عَلَيْهَا فَالتَّسْمِيَةُ مَقْصُودَةٌ لَهُ فَلَا تُغَيَّرُ لَعُرْفٍ وَلَا لِغَيْرِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي أَوْ لَا يَصُوم أَوْ لَا يَنْكِح لَمْ يَحْنَث إلَّا بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ الشَّرْعِيَّيْنِ دُونَ الدُّعَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>