للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذَا التَّصَرُّفُ الدَّوَامَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَالشَّارِعُ كَذَلِكَ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الدَّكَّةَ الْمَذْكُورَةَ مُسْتَحَقَّةٌ لَأَرْبَابِهَا فَلَهُمْ أَنْ يَضَعُوا عَلَيْهَا عَشَّةً ثُمَّ إنْ خَرَجَتْ تِلْكَ الْعَشَّةُ فِي هَوَاءِ الشَّارِعِ اُشْتُرِطَ عَدَمُ ضَرَرهَا لِلْمَارَّةِ.

قَالَ الشَّيْخَانِ وَيُرْجَعُ فِي مَعْرِفَةِ الضَّرَرِ وَعَدَمِهِ إلَى حَالِ الطَّرِيقِ ثُمَّ قَالَ وَالْأَصْلُ فِي الشَّوَارِعِ الْإِبَاحَةُ وَجَوَازُ الِانْتِفَاعِ إلَّا فِيمَا يَقْدَحُ فِي مَقْصُودِهَا وَهُوَ الِاسْتِطْرَاقُ ثُمَّ الْمُرَادُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بِضَرَرِ الْمَارَّةِ الضَّرَرُ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً بِخِلَافِ الْيَسِيرِ الَّذِي يُحْتَمَلُ عَادَةً فَإِنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْهُ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ خَشْيَةِ الْمُصَادَمَةِ عِنْدَ الْعُدُول عَنْ جَادَّة الطَّرِيق لَيْسَ مِنْ الضَّرَرِ الْمُنَافِي لِلِاسْتِطْرَاقِ فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ تِلْكَ الْعَشَّةُ فِي هَوَاءِ الشَّارِع بِأَنْ كَانَتْ فِي هَوَاءِ الدَّكَّةِ فَلَا مَنْعَ مِنْهَا وَإِنْ أَضَرَّتْ بِالْمَارَّةِ لِمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْته عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّ أَرْبَابَ الدَّكَّةِ يَسْتَحِقُّونَ التَّصَرُّفَ فِيهَا حَتَّى بِهَدْمِ جِدَارِهِمْ وَإِدْخَالهَا فِي دَارِهِمْ إذْ هَوَاؤُهَا مُسْتَحَقٌّ لَهُمْ وَلَيْسَ هَوَاء شَارِع فَلَمْ يُرَاعَ حِينَئِذٍ ضَرَرُ الْمَارَّةِ بِهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ رِعَايَتِهِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ كَانَ الْبَارِزُ فِي هَوَاءِ الشَّارِعِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ هَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ الَّذِي عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالْجُمْهُورُ أَنَّ إحْدَاثَ الدَّكَّةِ بِالشَّارِعِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ تَضُرَّ بِأَنْ كَانَتْ فِي مُنْعَطَفٍ.

أَمَّا عَلَى مُقَابَلَةِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ وَمُتَأَخِّرُونَ وَانْتَصَرَ لَهُ السُّبْكِيّ مِنْ جَوَازِ إحْدَاثهَا حَيْثُ لَا ضَرَرَ فَوَاضِحٌ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِيهَا إلَّا إنْ أَثْبَتَ ضَرَرهَا الَّذِي مَرَّ ضَبْطُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ عَجَزَ عَنْ تَحْصِيلهَا وَأَرَادَ أَنْ يُعَوِّضَ دَائِنَهُ فَمِنْ الْخِيَرَةُ إلَيْهِ مِنْهُمَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضهمْ بِأَنَّ الْخِيَرَةَ فِيمَا يُعْتَاضُ بِهِ إلَى الدَّائِنِ لَا الْمَدِينِ قَالَ وَوَقَعَ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ مَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ لَهُ زَبِيرٌ عَلَيْهِ شَجَرَةٌ فَأَظَلَّتْ زَرْعَ غَيْرِهِ وَأَفْسَدَتْهُ بِظِلِّهَا فَهَلْ يَضْمَن وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِإِزَالَتِهَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِضَمَانِهِ مُطْلَقًا وَقَاسَهُ عَلَى التَّالِف بِالْمِيزَابِ وَقَالَ إذَا وُجِدَ الضَّمَانُ فِيمَا لَمْ يَصِلْ لِمِلْكِهِ وَهُوَ الْمِيزَاب فَأَوْلَى فِيمَا انْتَشَرَ وَوَصَلَ إلَى مِلْكِهِ وَلَا فَرْقَ فِي الضَّمَانِ بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالسَّبَبِ. اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَيُفَرَّقُ بَيْنه وَبَيْن الْمِيزَاب بِأَنَّ الْمِيزَابَ تَصَرَّفَ وَاضِعُهُ فِي هَوَاءِ الطَّرِيقِ بِإِخْرَاجِهِ إلَيْهِ فَاشْتَرَطْنَا لِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ فِي ذَلِكَ الْهَوَاء سَلَامَةَ الْعَاقِبَةِ فَحَيْثُ لَا سَلَامَةَ ضَمِنَ وَأَمَّا غَارِسُ الشَّجَرَة فَقَدْ تَصَرَّفَ فِي مَحْض مِلْكِهِ وَهَوَائِهِ فَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُقَالَ إنَّ تَصَرُّفَهُ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَة فَإِذَا جَاوَزَتْ تِلْكَ الشَّجَرَةُ مِلْكَهُ وَخَرَجَتْ إلَى غَيْرِهِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَضْمَنَ بِهِ إلَّا إنْ طُولِبَ بِإِزَالَتِهِ فَامْتَنَعَ لِتَعَدِّيهِ حِينَئِذٍ فَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ اعْتِمَادُهُ فَاحْفَظْهُ وَلَا تُغَيِّر بِغَيْرِهِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظه طَلَبَ صَاحِبُ الْأَعْلَى أَنْ يَتَمَلَّكَ السَّقْفَ الَّذِي أَحَدَثَهُ الْأَسْفَلُ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ وَهَلْ لَهُ إحْدَاث عُلُوٍّ ثَالِثٍ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ امْتَنَعَ مِنْ بِنَاء سَقْفِ نَفْسِهِ كَمَا كَانَ لَمْ يَتَمَلَّك لِتَقْصِيرِهِ وَإِنْ أَحْدَثَ الْأَسْفَلُ السَّقْفَ قَبْلَ امْتِنَاع الْأَعْلَى الْمَالِكِ لِلسَّقْفِ مِنْ الْإِعَادَة فَلِلْأَعْلَى هَدْمُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا لَوْ بَنَى الْأَعْلَى قَبْلَ امْتِنَاع الْأَسْفَل فَإِنَّهُمْ قَالُوا لِلْأَسْفَلِ هَدْمُهُ مَا لَمْ يَبْنِ الْأَعْلَى وَلِلْأَعْلَى حِينَئِذٍ طَلَبُ تَمَلُّكِ السَّقْفِ بِالْقِيمَةِ كَمَا ذَكَرُوا نَظِيرَهُ فِي تَمَلُّكِ صَاحِب السُّفْلِ بِالْقِيمَةِ حَيْثُ بَنَى الْأَعْلَى الْأَسْفَل وَالْعُلْو وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَحْدَثَ بِنَاءً فِي مِلْكِ الْآخَرِ قَبْلَ امْتِنَاعِهِ وَلَمَّا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ قَالَ لَا يُقَالُ إنَّ السَّقْفَ الَّذِي أَحْدَثَهُ صَاحِبُ السُّفْل أَحْدَثَهُ فِي مِلْكِهِ إذْ الْجُدْرَانُ لَهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ صَاحِب الْعُلُوِّ مِنْ التَّمَلُّكِ وَالْهَدْمِ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ. فَإِنَّ صَاحِبَ الْعُلُوِّ أَحْدَثَهُ فِي مِلْكِ صَاحِبِ السُّفْلِ فَمِنْ ثَمَّ قُلْنَا لَهُ التَّمَلُّكُ وَالْهَدْمُ فَافْتَرَقَا؛ لِأَنَّا نَقُول هُوَ مَوْجُود فِيمَا يَمْلِك صَاحِبُ الْعُلُوِّ الِانْتِفَاعَ بِهِ فَكَأَنَّ صَاحِبَ السُّفْلِ أَحْدَثَهُ فِي مِلْكِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ فَلِذَا قُلْنَا لَهُ التَّمَلُّكُ وَالْهَدْمُ وَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَ مَنْزِلًا ثَالِثًا فَوْقَ عُلُوِّهِ كَمَا نَقَلَهُ السُّبْكِيّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الصُّلْحِ وَجَزَمَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ فِي قُوتِهِ فِي الْقِسْمَةِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ أَرَادَ نَقْلَ الطَّرِيقِ عَنْ مَوْضِعِهَا إلَى قَرِيبٍ مِنْهُ فَهَلْ يَجُوزُ مُطْلَقًا أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَحْرُمُ نَقْلُ الطَّرِيقِ الْعَامَّةِ عَنْ مَحَلِّهَا بَلْ هُوَ كَبِيرَةٌ كَمَا بَيَّنْته فِي كِتَابِي الزَّوَاجِر عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>