للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَعْرُوفَةِ النَّسَبِ دَعَانِي إلَى تَأْلِيفِهِ أَنَّهُ كَانَ بَلَغَنِي اخْتِلَافُ عُلَمَاءِ مِصْرَ فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَتَنَاقُضُهُمْ فِي الْإِفْتَاءِ فِيهَا تَنَاقُضًا عَجِيبًا شَهِيرًا لَكِنْ عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ لَا التَّفْصِيلِ فَإِنَّا لَمْ نَسْمَعْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ غَيْرِ ذَوِي التَّحْصِيلِ إلَى أَنْ قَدِمَ بَعْضُهُمْ إلَى مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ أَوَاخِرَ ذِي الْقَعْدَةِ الْحَرَامِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ فَأَخْبَرَ بِأَنَّ مَا أُشِيعَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ أَصِيلٌ وَلَا عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ التَّعْوِيلِ وَإِنَّمَا اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى جَانِبٍ وَاحِدٍ هُوَ حُرْمَتُهَا عَلَيْهِ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا وَبِذَلِكَ أَفْتَى سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ شَافِعِيًّا وَشَذَّ بَعْضُهُمْ فَأَفْتَى بِالْحِلِّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَبَعْضُهُمْ فَأَفْتَى بِالْحُرْمَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَلَمَّا سَمِعْت مِنْهُ ذَلِكَ وَكَانَ مُخَالِفًا لِمَا انْقَدَحَ عِنْدِي فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ تَعَجَّبْت مِنْ هَذِهِ الْإِطْلَاقَاتِ وَقُلْت لَا بُدَّ وَأَنْ أُنْتَدَبَ لِبَيَانِ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ فَحِينَئِذٍ بَادَرْت إلَى بَيَانِ مَا فِي كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الِاحْتِمَالَاتِ، ثُمَّ إلَى تَرْجِيحِ أَظْهَرِهَا نَقْلًا وَأَدَقَّهَا مُدْرَكًا وَعَقْلًا وَمَا عَلَيْهِ مِنْهَا التَّعْوِيلُ وَمَا هُوَ الْأَوْفَقُ بِمَا حَقَّقُوهُ مِنْ التَّفْرِيعِ وَالتَّأْصِيلِ بِتَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ وَرَفْعِ ذَلِكَ الِارْتِيَابِ وَرَتَّبْته عَلَى ثَلَاثِ مُقَدِّمَاتٍ وَثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ رَاجِيًا مِنْ اللَّهِ الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ الْإِعَانَةَ وَالتَّوْفِيقَ لِلصَّوَابِ مَعَ الْقَبُولِ وَجَزِيلِ الثَّوَابِ لَا إلَه إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ مَآبِ.

(الْمُقَدِّمَة الْأُولَى) فِي بَيَانِ الْوَاقِعَةِ بِحَسَبِ مَا بَلَغَنَا هِيَ أَنَّ رَجُلًا بِدَمَنْهُورَ الْوَحْشِ بَلْدَةٌ كَبِيرَةٌ بِإِقْلِيمِ الْبُحَيْرَةِ مِنْ رِيفِ مِصْرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُخْتِهِ الْمَعْرُوفَةِ مِنْ أَبِيهِ تَخَاصُمٌ فِي إرْثٍ طَالَ بَيْنَهُمَا فِيهِ التَّنَازُعُ وَعَظُمَ التَّخَاصُمُ وَالتَّمَانُعُ وَأَرَادَ أَنْ يَنْجُوَ مِنْهَا بِحِيلَةٍ وَإِنْ بَاءَ بِأَقْبَحِ رَذِيلَةٍ فَجَاءَ بِزَوْجَتِهِ الْمَشْهُورَةِ النَّسَبِ إلَى قُضَاةِ الشَّرْعِ وَشُهُودِهِ الَّذِينَ خَاصَمَ أُخْتَهُ الْمَعْرُوفَةَ إلَيْهِمْ بَيْنَ أَيْدِيهمْ مِرَارًا مُتَعَدِّدَةً وَأَجْلَسَهَا عِنْدَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ هَذِهِ أُخْتِي فُلَانَةُ الَّتِي مِنْ أَبِي وَقَدْ أَبْرَأَتْنِي فَاشْهَدُوا عَلَيْهَا فَاسْتَرْعَوْا عَلَيْهَا فَكَشَفُوا وَجْهَهَا، ثُمَّ كَتَبُوا حِلْيَتَهَا، ثُمَّ شَهِدُوا عَلَيْهَا بِالْإِبْرَاءِ الْعَامِّ وَحُكِمَ بِهِ فَلَمَّا عَلِمَتْ الْأُخْتُ جَاءَتْ إلَيْهِمْ مُنْكِرَةً عَلَيْهِمْ فَكَشَفُوا سِجِلَّهُمْ فَرَأَوْا حِلْيَتَهَا غَيْرَ مَا عِنْدَهُمْ فَأَحْضَرُوا أَخَاهَا وَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَقَرَّ أَنَّهُ اصْطَنَعَ ذَلِكَ وَافْتَعَلَهُ لِيَبْرَأَ عَنْهَا فَقُبِضَ عَلَيْهِ، ثُمَّ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ فِي بَقَاءِ زَوْجَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي عِصْمَتِهِ فَكَتَبَ سُؤَالًا لِمُفْتِي تِلْكَ الْبَلَدِ فَأَفْتَى بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ فَخَالَفَهُ بَعْضُ فُضَلَائِهَا فَأَرْسَلُوا يَسْتَفْتُونَ عَنْ ذَلِكَ عُلَمَاءَ مِصْرَ فَقِيلَ إنَّ بَعْضَهُمْ أَفْتَى بِحِلِّهَا لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَبَعْضَهُمْ بِحُرْمَتِهَا كَذَلِكَ وَبَعْضَهُمْ بِحِلِّهَا بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا، ثُمَّ رُفِعَ الْأَمْرُ لِحَاكِمِ الشَّوْكَةِ فَنَفَّذُوا الْإِفْتَاءَ الْأَوَّلَ وَمَكَّنُوهُ مِنْهَا وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ

(الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ) فِي تَحْرِيرِ السُّؤَالِ الَّذِي أَجَابُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَّضِحْ لَنَا تَحْرِيرُهُ إلَى الْآنَ فَوَجَبَ أَنْ نُحَرِّرَهُ لِيَقَعَ الْكَلَامُ فِي صُورَةٍ خَاصَّةٍ وَيَتَوَارَدَ الْمُخْتَلِفُونَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فَنَقُولَ إنْ كَانَتْ صُورَةُ السُّؤَالِ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ هَذِهِ أُخْتِي فُلَانَةُ ذَاكِرًا لِاسْمِ زَوْجَتِهِ أَوْ هَذِهِ أُخْتِي الَّتِي وَقَعَ الْخِصَامُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا عِنْدَكُمْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْوَاقِعَةِ السَّابِقُ فَيُتَعَجَّبُ مِنْ الْخِلَافِ فِيهَا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِالْإِقْرَارِ بِأُخْتِيَّتِهَا لَهُ أَصْلًا وَإِنَّمَا فِيهِ الْحُكْمُ بِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ الشَّخْصِيَّةَ هِيَ تِلْكَ الصُّورَةُ الذِّهْنِيَّةُ وَهَذَا أَمْرٌ يُكَذِّبهُ الْحِسُّ فِيهِ وَكُلُّ إقْرَارٍ يُكَذِّبُهُ الْحِسُّ فِيهِ لَا يَرْتَبِطُ بِهِ حُكْمٌ أَصْلًا اتِّفَاقًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي نَحْوِ هَذِهِ بِنْتِي أَوْ أُخْتِي أَوْ ابْنَةُ أُخْتِي أَوْ بِنْتِي لِمَنْ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ صُورَةُ السُّؤَالِ هَذِهِ أُخْتِي مِنْ أَبِي فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي يَتَّجِهُ فِيهَا جَرَيَانُ الْخِلَافِ بَلْ هِيَ الْمَنْقُولَةُ فِي كَلَامِهِمْ بِالشَّخْصِ لَا بِالْأَخْذِ

(الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ) فِي تَحْرِيرِ الْجَوَابِ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ النَّسَبِ هَذِهِ أُخْتِي أَوْ أَنْتِ أُخْتِي سَوَاءٌ أَضَمَّ إلَيْهِ مِنْ أَبِي أَمْ سَكَتَ عَنْهُ لَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَقَصَدَ الْكَذِبَ أَمْ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا عَلَى خِلَافِ مَا يَقْتَضِيه كَلَامُ الْخُوَارِزْمِيِّ الْآتِي بِمَا فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ الِاسْتِلْحَاقَ أَوْ صَرَّحَ بِهِ وَهِيَ مِمَّنْ يُمْكِنُ لُحُوقُهَا بِأَبِيهِ لَوْ فُرِضَ جَهْلُ نَسَبِهَا كَمَا يَأْتِي فَإِنَّهُ إنْ صَدَقَ لِكَوْنِهَا مُلْحَقَةً بِفِرَاشٍ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ وَهُوَ يَعْلَمُ لُحُوقَهَا بِأَبِيهِ بِحُكْمِ الْبَاطِنِ لِوَطْئِهِ أُمَّهَا بِشُبْهَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>