للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ وَجْهٌ مَشْهُورٌ فِي الْمَذْهَبِ لَا مَسَاغَ لِإِنْكَارِهِ وَاحْتِمَالِهِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ تَرْجِيحًا قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ فِي قَوَاعِدِهِ لَوْ قَالَ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ فُلَانَةُ بِنْتُ أَبِينَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَفِي حِلِّهَا لِلْمُقِرِّ وَجْهَانِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ حُرِّمَتْ وَإِنْ كَانَتْ مَعْرُوفَتَهُ فَوَجْهَانِ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ فِي اللَّقِيطِ تَحْرِيمُهَا وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فَقَدْ ثَبَتَ الْفَرْعُ دُونَ الْأَصْلِ اهـ.

وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ ابْنِي وَمِثْلُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْنًا لَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَعِتْقُهُ إنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ بَالِغًا وَصَدَّقَهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ عَتَقَ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَوْنُهُ ابْنَهُ بِأَنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ عَلَى حَالَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ ابْنَهُ لَغَا قَوْلُهُ وَلَمْ يُعْتَقْ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مُحَالًا، هَذَا فِي مَجْهُولِ النَّسَبِ فَإِنْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يُلْحِقْهُ لَكِنْ يُعْتَقُ عَلَى الْأَصَحِّ لِتَضَمُّنِهِ الْإِقْرَارَ بِحُرِّيَّتِهِ وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ بِنْتِي قَالَ الْإِمَامُ الْحُكْمُ مِنْ حُصُولِ الْفِرَاقِ بَيْنَهُمَا وَثُبُوتِ النَّسَبِ كَمَا فِي الْعِتْقِ اهـ.

وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا يَأْتِي عَنْ الْقَفَّالِ وَالْخُوَارِزْمِيّ وَوَجْهُ التَّأْيِيدِ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لِتَرْجِيحِ الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِالْحُرْمَةِ غَيْرُ خَفِيٍّ؛ لِأَنَّ الزَّرْكَشِيّ كَالْإِمَامِ مُرَجِّحَانِ لِلتَّحْرِيمِ فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ وَمِثْلُهَا الزَّوْجَةُ وَالْفَرْقُ السِّبَاقُ بَيْنَهُمَا إقْنَاعِيٌّ عِنْدَ التَّحْقِيقِ؛ وَلِأَنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ الْمَذْكُورَ صَرِيحٌ فِي التَّحْرِيمِ فِي الزَّوْجَةِ إذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أُخْتِي وَبِنْتِي وَهُوَ أَعْنِي التَّحْرِيمَ فِي الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا هُوَ الْأَحْوَطُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ وَلِلْقَائِلِينَ بِتَرْجِيحِ الْحِلِّ أَنْ يُجِيبُوا عَنْ ذَلِكَ بِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّ جَزْمَ الْإِمَامِ بِالتَّحْرِيمِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْهُ مِنْ اسْتِعْظَامِهِ جَرَيَانَ الْخِلَافِ وَقَدْ مَرَّ رَدُّ هَذَا الِاسْتِعْظَامِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فِيهِ مَا مَرَّ عَنْ شَيْخِهِ الْأَذْرَعِيِّ مِنْ اخْتِيَارِهِ لِمَقَالَةِ الْإِمَامِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى اخْتِيَارِهِ لِتَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِخُرُوجِهَا عَنْ الْمَذْهَبِ فَتَأَمَّلْهُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي التَّرْجِيحِ عَلَى مَا قِيلَ فِي نَظِيرِهِ فِيمَا وَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ.

وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ بِحُصُولِ الْفُرْقَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا فُرْقَةَ الْفَسْخِ أَوْ فُرْقَةَ الطَّلَاقِ وَهُمَا وَجْهَانِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْجَوَاهِرِ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ يَا بِنْتِي بِنَاءً عَلَى وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِهِ عِنْدَ احْتِمَالِ الْبِنْتِيَّةِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ هَلْ هِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ وَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَشْهُورَةَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ كَبِيرَةً وَكَذَّبَتْهُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَام مُحْتَمِلٌ لِفُرْقَةِ الطَّلَاقِ انْتَفَى وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِفُرْقَةِ الطَّلَاقِ إلَّا حِلُّهَا لَهُ بِالرَّجْعَةِ فَحِينَئِذٍ لَا دَلَالَةَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ عَلَى الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَمُولِيِّ جَارٍ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَشْهُورَةَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ كَبِيرَةً وَكَذَّبَتْهُ ظَاهِرًا فِي جَرَيَانِ الْوَجْهَيْنِ فِي نَفْسِ أَنْتِ بِنْتِي؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ إنَّمَا يَتَّجِهُ فِي هَذَا دُونَ النِّدَاءِ لِاحْتِمَالِهِ لِلْكَرَامَةِ احْتِمَالًا ظَاهِرًا بِخِلَافِ أَنْتِ بِنْتِي وَبِذَلِكَ يَزِيدُ إيضَاح مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ هَذَا عَلَى التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ أَصْلًا وَمِنْهَا احْتِمَالُ الْفَرْقِ بَيْن أَنْتِ بِنْتِي وَأَنْتِ أُخْتِي وَذَلِكَ أَنَّ حِكَايَةَ الْخِلَافِ فِي أَنْتِ أُخْتِي مَشْهُورَةٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ قَبْلَ وُجُودِ الْإِمَامِ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ فَلَا يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَمِنْهَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَا إذَا قَصَدَ الِاسْتِلْحَاقَ فَإِنَّهُ قَالَ عَقِبَ كَلَامِ الرَّوْضَةِ الْمَذْكُورِ

قُلْت وَكَأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِلْحَاقِ أَمَّا لَوْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُلَاطَفَةِ أَوْ قَالَ قَصَدْتُ بِهِ ذَلِكَ أَيْ: الْفِرَاقَ لَا حَقِيقَةَ الْبِنْتِيَّةِ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ اهـ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ قَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ إلَى مَا سَأَذْكُرُهُ عَنْهُ قَرِيبًا وَذَكَرَهُ فِي بَابِ الطَّلَاقِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ هُنَا لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى حُرْمَةٍ وَلَا فُرْقَةٍ فِي الْوَقْعَةِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَقْصِدْ فِيهَا اسْتِلْحَاقًا قَطْعًا كَمَا يَأْتِي وَحِينَئِذٍ فَالِاسْتِدْلَالُ بِكَلَامِ الْإِمَامِ هَذَا عَلَى الْحُرْمَةِ فِيهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا يُرَدُّ بِمَا ذَكَرَهُ وَسَأَذْكُرُهُ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ عَلَى ذِكْرٍ مِنْك وَقَدْ مَرَّ أَنَّ مَحَلَّ الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِالْحُرْمَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا قَصَدَ بِأَنْتِ أُخْتِي الِاسْتِلْحَاقَ فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ أَصْلًا إذْ لَيْسَ فِيهَا قَصْدُ اسْتِلْحَاقٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>