للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدَّمْنَا بَسْطَهَا عَلَى ذَلِكَ فَرَاجِعْهَا، عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ لَمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى عُتَقَائِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ، وَأَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي فِي سَائِرِ الْبُطُونِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ، عُلِمَ مِنْ صَنِيعِهِ هَذَا أَنَّهُ مُدْخِلٌ لِفُرُوعِ عُتَقَائِهِ فِي وَقْفِهِ، وَدَلَالَةُ كَلَامِهِ عَلَى هَذَا تَكَادُ أَنْ تَكُونَ ضَرُورِيَّةً، وَإِذَا دَخَلُوا فِي وَقْفِهِ كَذَلِكَ لَمْ يَخْرُجُوا مِنْهُ إلَّا بِيَقِينٍ كَمَا مَرَّ نَقْلُهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ

وَإِذَا لَمْ يَخْرُجُوا عَنْهُ بِمُحْتَمِلٍ كَالْعُتَقَاءِ الْمُحْتَمِلِ لَأَنْ يُرَادَ بِهِمْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ كَانُوا دَاخِلِينَ فِي الْعُتَقَاءِ اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ، حَتَّى يُتَيَقَّنَ وُجُودُ مَا يُخْرِجُهُمْ، وَهَذِهِ قَرِينَةٌ حَالِيَّةٌ غَيْرُ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَبِهَا يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ بِالْعُتَقَاءِ حَقِيقَتُهُ وَمَجَازُهُ، وَكَوْنُ الْمَجَازِ هُنَا مِنْ الْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ الَّذِي يَعِزُّ وُجُودُ الْعَلَاقَةِ لَهُ أَوْ مِنْ الْكُلِّ الْإِفْرَادِيِّ الَّذِي يَسْهُلُ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ الْأُمُورِ الْغَامِضَةِ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ، فَلَا يَجْرِي مِثْلُهُ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرِهِ، فَالْإِعْرَاضُ عَنْ هَذَا صَفْحًا أَحَقُّ وَالتَّنَاسِي لِلْكَلَامِ فِيهِ هُنَا أَلْيَقُ.

وَقَوْلُهُ: قُلْنَا: دَعُوا الْحَيْرَةَ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّهُ قَدْ بَانَ بِمَا قَرَّرْته وُجُودُ الْعَلَاقَة وَالْقَرِينَةِ بَلْ الْقَرَائِنِ وَأَنَّ إحْدَاهُمَا لَا تَلْتَبِسُ بِالْأُخْرَى فَلَا حَيْرَةَ حِينَئِذٍ، وَإِذَا لَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ مِنْ أَرْبَابِ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَلَاقَةٌ وَلَا قَرِينَةٌ، وَإِنَّمَا الَّذِي اقْتَضَاهُ صَنِيعُهُمْ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ قَرِينَةٌ لَا عَلَاقَةٌ؛ لِأَنَّ مَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى مَسْكَةٍ مِنْ ذَوْقِ الْفِقْهِ يَفْهَمُ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْعَتِيقِ مُبَاشَرَةً وَالْعَتِيقِ سِرَايَةً فَلَمْ يَحْتَاجُوا لِبَيَانِهَا، بِخِلَافِ الْقَرِينَةِ فَإِنَّهَا الَّتِي يَعْسُرُ إدْرَاكُهَا، فَاحْتَاجَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا فَهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ عَنْهَا بِبَادِي الرَّأْيِ لَكِنَّهَا لَمْ تَخْتَلِفْ فِي الْحَقِيقَةِ، كَمَا قَدَّمْت ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَيْهَا وَاضِحًا مَبْسُوطًا وَقَوْلُهُ: أَوْ الثَّانِي بَيَّنَّا إهْمَالَهُ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقَرِينَةَ هِيَ الَّتِي تَمْنَعُ مِنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَقَدْ بَيَّنْت فِيمَا مَضَى أَنَّهُ لَا يُفَسِّرُهَا بِذَلِكَ فَحَسْبُ إلَّا مَنْ يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ

وَأَمَّا مَنْ يُجَوِّزُ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُفَسِّرَ الْقَرِينَةَ الدَّالَّةَ عَلَيْهِ بِأَنَّهَا الَّتِي تَدُلُّ عَلَى انْضِمَامِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ إلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ وَإِرَادَتِهِمَا مِنْهُ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي قَرَّرْته وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ إهْمَالُ مَا قَالُوهُ، بَلْ بَانَ ظُهُورُهُ وَاتِّضَاحُهُ وَأَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ مَا يَصْرِفُ عَنْ الشَّيْءِ وَيُبْعِدُ عَنْ إرَادَتِهِ غَيْرُ مَا يُقَرِّبُ مِنْهُ وَيَرْبِطُ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الرَّدَّ مَبْنِيٌّ عَلَى انْحِصَارِ الْقَرِينَةِ فِي الْمَانِعَةِ عَنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يُفَسِّرُهَا بِذَلِكَ وَحْدَهُ إلَّا مَنْ يَمْنَعُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَنَحْنُ إنَّمَا بَنَيْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى جَوَازِهِ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي.

وَقَوْلُهُ مَسُوقٌ مَسَاقَ الْأَقْوَالِ السَّقِيمَةِ إلَخْ فِيهِ جَفَاءٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَا كُنْت أَوَدُّ لِهَذَا الْمُجِيبِ مَعَ أَنَّ عِنْدَهُ مِنْ تَعْظِيمِ الشَّافِعِيِّ مَا لَا أَصِفُهُ مِمَّا أَعْلَمُهُ مِنْهُ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ بِقَلَمِهِ وَلَا أَنْ يَتَفَوَّهَ بِهِ بِفَمِهِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ نُوزِعَ فِي نِسْبَتِهِ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ النِّزَاعَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَقْبُولٍ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَنَاهِيك بِذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ جَوَازُ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا قَرِينَةً فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمْ

وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ: إنَّ ذَلِكَ مُسْتَبْعَدٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ رَدُّوهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُقَفْ عَلَى هَذَا النَّقْلِ، وَقَدْ قَدَّمْت ذَلِكَ مَبْسُوطًا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ نَفْسِهِ فِي أَوَّلِ الْمَبْحَثِ الثَّانِي فَرَاجِعْهُ. وَقَوْلُهُ عَنْ الرَّافِعِيِّ إنَّهُ قَالَ: الْأَشْبَهُ إلَخْ مَرَّ أَنَّهُمْ رَدُّوهُ بِأَنَّ هَذَا الْأَشْبَهَ إنَّمَا يَلِيقُ بِقَوَاعِدِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَأَمَّا مَنْقُولُ مَذْهَبِنَا، فَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ يُرَادُ بِهِ جَمِيعُ مَعَانِيهِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ عَنْ السُّبْكِيّ مِنْ قَوْلِهِ: فَسِيَاقُ كَلَامِهِ إلَخْ وَقَوْلُهُ هُوَ مَا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ مَعَ الْقَرِينَةِ، وَأَنَّ مَنْ ادَّعَى تَجَوُّزًا مُنْضَمًّا إلَى الْحَقِيقَةِ لَا يُكَلَّفُ بِغَيْرِ بَيَانِ الْقَرِينَةِ لِخَفَائِهَا.

وَقَوْلُهُ: وَضِدَّيْهِمَا مَعَ قَوْلِهِ: قَبْلَهُ بَيْنَ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ سَهْوٌ، وَقَوْلُهُ: أَلَيْسَ الدَّلَالَةُ عَلَى الْوَلَدِ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ مُمْتَنِعٌ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ إرَادَتِهِ بِالْوَلَدِ حَقِيقَتَهُ فَقَطْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعُتَقَاءِ حَقِيقَتَهُمْ فَقَطْ، فَضْلًا عَنْ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>