للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى فَتْوَاهُ مَا قَالُوهُ، وَلَوْ وَكَّلَهُ فِيمَا يُمْكِنْهُ عَادَةً وَلَكِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ لِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ، فَإِنْ كَانَ التَّوْكِيلُ فِي حَالِ عِلْمِهِ بِسَفَرِهِ أَوْ مَرَضِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ، وَإِنْ طَرَأَ الْعَجْزُ فَلَا، وَقَضِيَّةُ تَقْيِيدِهِمْ بِذَلِكَ فِي الْوَكِيلِ: أَنْ يَجْرِيَ مِثْلُهُ فِي الْجَعِيلِ فَيَقْتَضِيَ أَنَّهُ لَوْ وَقَّعَ عَقَدَ الْجِعَالَةِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ بِالْيَمَنِ مَثَلًا ثُمَّ طَرَأَ الْعَجْزُ بِمَكَّةَ مَثَلًا، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْجَعِيلِ أَنْ يُجَاعِلَ، فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ حَتَّى لَا يَصِحُّ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْيَمَنِيَّةِ وَالْحَضَارِمَةِ؟ أَوْ تَصِحُّ جِعَالَةُ الْجَعِيلِ إذَا طَرَأَ لَهُ الْعَجْزُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْعَجْزُ طَارِئًا أَوْ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْعَقْدِ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمُجَاعِلُ بِطُرُوِّ الْعَجْزِ أَمْ لَا، وَهَلْ الْمُعْتَمَدُ مَا أَفْتَى بِهِ أَبُو قُضَامٍ أَوْ مَا أَفْتَى بِهِ أَبُو فَضْلٍ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَرَهُ الشَّيْخَانِ فَأَبْدَيَا فِيهَا بَحْثًا، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ: وَقَدْ خَطَرَ بِالْبَالِ هُنَا أَنَّ الْعَامِلَ الْمُعَيَّنَ هَلْ يُوَكِّلُ الْغَيْرَ لِيَنْفَرِدَ بِالرَّدِّ كَمَا يَسْتَعِينُ بِهِ؟ وَأَنَّهُ إذَا كَانَ النِّدَاءُ عَامًّا فَوَكَّلَ رَجُلًا غَيْرَهُ لِيَرُدَّهُ هَلْ يَجُوزُ؟ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ كَتَوْكِيلِ الْوَكِيلِ وَالثَّانِي كَالتَّوْكِيلِ بِالِاحْتِطَابِ اهـ.

وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: فَإِنْ قِيلَ: هَلْ لِلْعَامِلِ الْمُعَيَّنِ أَنْ يُوَكِّلَ بِالرَّدِّ غَيْرَهُ كَمَا يَسْتَعِينُ بِهِ وَهَلْ إذَا كَانَ النِّدَاءُ عَامًّا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ سَمِعَهُ غَيْرُهُ فِي الرَّدِّ؟ قُلْت: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ كَتَوْكِيلِ الْوَكِيلِ وَالثَّانِي كَالتَّوْكِيلِ بِالِاحْتِطَابِ وَالِاسْتِقَاءِ انْتَهَتْ. فَظَاهِرُ بَحْثِهِمَا، بَلْ صَرِيحُهُ فِي الْأُولَى أَنَّهُ يَتَأَتَّى هُنَا مَا قَالُوهُ فِي تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ مِنْ اشْتِرَاطِ عُذْرٍ أَوْ عَدَمِ لِيَاقَةٍ، وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ خِلَافًا لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَفِي الثَّانِيَةِ، وَالصُّورَةُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ سَمِعَ النِّدَاءَ قَبْلَ تَوْكِيلِهِ الْجَوَازَ مُطْلَقًا، وَجَزَمَ بِمَا بَحَثَاهُ فِي الصُّورَتَيْنِ مُخْتَصِرُو الرَّوْضَةِ وَغَيْرُهُمْ، فَإِنْ قُلْت: يُنَافِي بَحْثُهُمَا هَذَا قَوْلَهُمَا كَالْأَصْحَابِ لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ: رُدَّهُ وَلَك كَذَا فَأَعَانَهُ آخَرُ فِي رَدِّهِ بِعِوَضٍ أَوْ مَجَّانًا، فَالْكُلُّ لِزَيْدٍ فَإِنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ لِلْمُعَاوَنَةِ، وَغَرَضُ الْمُلْتَزِمِ الْعَمَلُ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى قَصْرِ الْعَمَلِ عَلَى الْمُخَاطَبِ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُعَاوِنِ إلَّا إنْ الْتَزَمَ لَهُ زَيْدٌ أُجْرَةً فَيَسْتَحِقُّهَا حِينَئِذٍ.

قُلْتُ: فَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَالْإِعَانَةِ فَإِنَّ التَّوْكِيلَ فِيهِ رَفْعُ يَدِهِ وَاسْتِقْلَالُ يَدِ وَكِيلِهِ، وَلَيْسَ يَدُ وَكِيلِهِ كَيَدِهِ بِخِلَافِ يَدِ قِنِّهِ غَيْرِ مُكَاتَبِهِ، فَاغْتُفِرَ فِي الْإِعَانَةِ مَا لَمْ يُغْتَفَرْ فِي التَّوْكِيلِ، فَلِذَا جَازَتْ الْإِعَانَةُ مُطْلَقًا، وَفُصِّلَ فِي التَّوْكِيلِ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَوْكِيلُ غَيْرِهِ إلَّا بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّ الْجَاعِلَ قَدْ يَكُونُ مَقْصُودُهُ مُبَاشَرَةَ الْعَامِل بِنَفْسِهِ فَامْتَنَعَ تَوْكِيلُهُ حَيْثُ لَا عُذْرَ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَالَ لَهُ: لِتَعْمَلْ بِنَفْسِك لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّوْكِيلُ مُطْلَقًا، وَبَيَّنَ الْمُبْهَمَ فَجَازَ لَهُ التَّوْكِيلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْجَاعِلَ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَ أَحَدٍ، فَإِنْ قُلْتَ: يُنَافِي مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي التَّوْكِيلِ عِنْدَ التَّعْيِين قَوْلَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ أَبُو قِضَامٍ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: لِمُعَيَّنٍ إنْ رَدَدْت عَبْدِي فَلَكَ كَذَا يَقْتَضِي اسْتِدْعَاءَ الْعَمَلِ مِنْ الْمُخَاطَبِ نَفْسِهِ وَلَا مَعْنَى لِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى قَصْرِ الْعَمَلِ فِي الْمُخَاطَبِ، بَلْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ وَالسَّعْيِ فِيهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، حَتَّى لَوْ اسْتَعَانَ الْعَامِلُ بِمَنْ أَرَادَ بِأُجْرَةٍ يَبْذُلُهَا أَوْ أَعَانَهُ مُتَبَرِّعًا، فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ فَلَا نَظَرَ إلَى جِهَاتِ الْعَمَلِ بِنَاءً عَلَى مَقْصُودِ الْبَابِ اهـ.

وَجَرَى عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ فَقَالَ: إذَا عَيَّنَ مُخَاطَبًا وَقَالَ إلَّا رَدَدْت عَبْدِي الْآبِقَ فَلَكَ كَذَا، فَلَيْسَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ السَّعْيُ بِنَفْسِهِ، بَلْ لَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِغَيْرِهِ، فَإِذَا حَصَلَ الْعَمَلُ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ. اهـ. قُلْت: لَا يُنَافِيهِ بَلْ هُوَ عَيْنُهُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ وَالْغَزَالِيَّ إنَّمَا فَرَضَا ذَلِكَ فِي الْإِعَانَةِ لَا فِي التَّوْكِيلِ، كَمَا فَهِمَهُ السُّبْكِيّ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَعِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ فِي تَوَسُّطِهِ عَقِبَ كَلَامِهِمَا، قَالَ قَائِلٌ: وَأَحْسَبُهُ السُّبْكِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَالْأَجْنَبِيِّ، وَهُوَ صَحِيحٌ يَشْهَدُ لَهُ مَسْأَلَةُ مُعَاوَنَةِ الْغَيْرِ لَهُ، وَهِيَ مَنْصُوصَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا اهـ. وَجَرَى عَلَيْهِ الْخَادِمُ فَقَالَ: وَقَدْ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ اتِّفَاقُ الْأَصْحَابِ فِيمَا إذَا قَالَ: إنْ رَدَدْتَهُ فَلَكَ كَذَا فَشَارَكَهُ غَيْرُهُ فِي الرَّدِّ وَقَصَدَ مُعَاوَنَتِهِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ زَيْدٌ الْجُعْلَ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ أَنْ يَقَعَ عَمَلُ الْأَجْنَبِيِّ لَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ فَبِإِذْنِهِ أَوْلَى.

فَإِنْ قُلْت: سَلَّمْنَا أَنَّ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ وَإِمَامِهِ فِي الْمُعَاوَنَةِ لَا التَّوْكِيلِ فَكَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَتِلْمِيذِهِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَوَلِّي صَرِيحَانِ فِي مَنْعِ التَّوْكِيل، وَعِبَارَةُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقَتِهِ غَيْرِ الْمَشْهُورَةِ: وَلَوْ رَدَّهُ عَبْدَهُ اسْتَحَقَّ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ يَدُهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>