للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ: إنَّك جِئْتنِي وَفِي يَدِك جَمْرَةٌ مِنْ نَارٍ» .

وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: «وَيْلٌ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْأَحْمَرَيْنِ: الذَّهَبِ وَالْمُعَصْفَرِ» .

وَأَبُو الشَّيْخِ وَغَيْرُهُ: «أُرِيتُ أَنِّي دَخَلْت الْجَنَّةَ فَإِذَا أَعَالِي أَهْلِ الْجَنَّةِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ وَذَرَارِيُّ الْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ أَقَلُّ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَالنِّسَاءِ، فَقِيلَ لِي: أَمَّا الْأَغْنِيَاءُ فَإِنَّهُمْ عَلَى الْبَابِ يُحَاسَبُونَ وَيُمَحَّصُونَ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَأَلْهَاهُنَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ» الْحَدِيثَ، وَبِهِ يُعْلَمُ مَعْنَى قَوْلِهِ «وَيْلٌ لِلنِّسَاءِ» فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ: أَيْ أَنَّ هَذَيْنِ سَبَبٌ لِلَهْوِهِنَّ وَإِعْرَاضِهِنَّ عَنْ الْخَيْرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ ظَاهِرَهُ لِأَنَّهُمَا حَلَالَانِ لَهُنَّ إجْمَاعًا.

تَنْبِيهٌ: عَدُّ لُبْسِ الْحَرِيرِ كَبِيرَةً هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَحَادِيثِهِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِيهِ لِمَا فِيهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ، لَكِنَّ جُمْهُورَ أَئِمَّتِنَا عَلَى أَنَّهُ صَغِيرَةٌ، وَلَعَلَّهُمْ نَظَرُوا إلَى اخْتِصَاصِ الْكَبِيرَةِ بِمَا فِيهِ حَدٌّ، وَمَرَّ أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ. فَالْوَجْهُ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ عِنْدَ النَّظَرِ إلَى تِلْكَ الْأَحَادِيثِ - وَحَدُّهَا بِأَنَّهَا مَا فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ - الْجَزْمُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ، وَمِمَّنْ اخْتَارَ ذَلِكَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ، وَغَيْرُهُ إلَيْهِ مَيْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَأَمَّا عَدُّ لُبْسِ الذَّهَبِ الَّذِي ذَكَرْته - بَحْثًا - كَبِيرَةً فَهُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْحَرِيرِ مَعَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ عَلَيْهِ الَّذِي فِي أَحَادِيثِهِ الصَّحِيحَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِلْحَاقُ حِلْيَةِ الْفِضَّةِ بِهِ الَّذِي ذَكَرْته مُحْتَمَلٌ وَإِنْ أَمْكَنَ الْفَرْقُ بِأَنَّ الذَّهَبَ أَغْلَظُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا يَحِلُّ لُبْسُ بَعْضِ حِلْيَةِ الْفِضَّةِ غَيْرِ الْخَاتَمِ لِلرَّجُلِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى حِلِّ بَلْ نَدْبِ لُبْسِ خَاتَمِهَا لَهُ وَتَحْرِيمِ خَاتَمِ الذَّهَبِ لَهُ.

فَوَائِدُ: يَحِلُّ نَحْوُ الْجُلُوسِ عَلَى الْحَرِيرِ بِحَائِلٍ وَلَوْ رَقِيقًا وَمُهَلْهَلًا بِخِلَافِ الْمُخَرَّقِ، وَمِنْ اسْتِعْمَالِهِ الْمُحَرَّمِ التَّدَثُّرُ بِهِ وَاِتِّخَاذُهُ سِتْرًا، وَيَحِلُّ التَّسْجِيفُ بِهِ بِقَدْرِ الْعَادَةِ، وَجَعْلُ الطِّرَازِ مِنْهُ عَلَى الْكُمِّ إذَا كَانَ بِقَدْرِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، وَخَيْطِ السُّبْحَةِ، وَعَلَمِ الرُّمْحِ، وَكِيسِ الْمُصْحَفِ، وَإِلْبَاسُهُ كَحُلِيِّ النَّقْدَيْنِ لِلْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ إلَى الْبُلُوغِ.

وَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِتَأْثِيمِ مُتَّخِذِ الْحَرِيرِ لَكِنَّهُ دُونَ إثْمِ اللُّبْسِ، وَالنَّوَوِيُّ بِتَحْرِيمِ كِتَابَةِ الصَّدَاقِ فِيهِ لِلرَّجُلِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَنْ نَازَعَ فِيهِ، وَتَزْيِينُ الْبُيُوتِ وَالْمَسَاجِدِ بِحَرِيرٍ أَوْ بِصُوَرٍ حَرَامٌ، وَلَوْ لِامْرَأَةٍ وَبِغَيْرِهِمَا مَكْرُوهٌ وَكَالْحَرِيرِ مَا صُبِغَ بِزَعْفَرَانٍ أَوْ عُصْفُرٍ أَوْ وَرْسٍ عَلَى كَلَامٍ فِيهِ بَيَّنْتُهُ كَفَوَائِدَ غَزِيرَةٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>