للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُقْعِدَهُ بِعَظِيمٍ مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قَالَ: أَنْتَ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَقْذِفَهُ فِي مُعْظَمٍ مِنْ النَّارِ» . وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مُخْتَصَرًا وَلَفْظُهُ قَالَ: «مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ يُغْلِيهِ عَلَيْهِمْ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَقْذِفَهُ فِي جَهَنَّمَ رَأْسُهُ إلَى أَسْفَلِهِ» . قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: رُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ مَعْرُوفُونَ إلَّا وَاحِدًا مِنْهُمْ لَا أَعْرِفُهُ، وَمَرَّ خَبَرُ: «احْتِكَارُ الطَّعَامِ بِمَكَّةَ إلْحَادٌ» . وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ فِيهِ مَقَالٌ: «مَنْ احْتَكَرَ حُكْرَةً يُرِيدُ أَنْ يُغْلِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ خَاطِئٌ، وَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ» .

تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحِ بَعْضُهَا مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ كَاللَّعْنَةِ وَبَرَاءَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْهُ وَالضَّرْبِ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ وَغَيْرِهَا، وَبَعْضُ هَذِهِ دَلِيلٌ عَلَى الْكَبِيرَةِ، فَاتَّجَهَ عَدُّ ذَلِكَ كَبِيرَةً لَكِنْ سَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ بِمَا فِيهِ. ثُمَّ الِاحْتِكَارُ الْمُحَرَّمُ عِنْدَنَا هُوَ أَنْ يَمْسِكَ مَا اشْتَرَاهُ فِي الْغَلَاءِ لَا الرُّخْصِ مِنْ الْقُوتِ حَتَّى نَحْوِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ بِقَصْدِ أَنْ يَبِيعَهُ بِأَغْلَى مِمَّا اشْتَرَاهُ بِهِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَأَلْحَقَ الْغَزَالِيُّ بِالْقُوتِ كُلَّ مَا يُعِينُ عَلَيْهِ كَاللَّحْمِ وَالْفَوَاكِهِ، وَمَتَى اخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ فَلَا حُرْمَةَ كَأَنْ اشْتَرَاهُ وَلَوْ زَمَنَ الْغَلَاءِ لَا لِيَبِيعَهُ بَلْ لَيَمْسِكَهُ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ أَوْ لِيَبِيعَهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ لَمْ يَشْتَرِهِ، كَأَنْ أَمْسَكَ غَلَّةَ ضَيْعَتِهِ وَلَوْ لِيَبِيعَهَا بِأَغْلَى الْأَثْمَانِ نَعَمْ إذَا اشْتَدَّتْ ضَرُورَةُ النَّاسِ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فَإِنْ أَبَى أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَعِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِدَادِ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا فَوْقَ كِفَايَةِ سَنَةٍ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ مَا لَمْ يَخَفْ جَائِحَةً فِي زَرْعِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِلَّا فَلَهُ إمْسَاكُ كِفَايَتِهَا فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا احْتِكَارَ فِي غَيْرِ الْقُوتِ وَنَحْوِهِ مِمَّا مَرَّ، نَعَمْ صَرَّحَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يُكْرَهُ إمْسَاكُ الثِّيَابِ أَيْ احْتِكَارًا.

فَإِنْ قُلْت: يُنَافِي مَا قَرَّرْته أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ رَاوِي حَدِيثِ «لَا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطِئٌ» قِيلَ لَهُ فَإِنَّك تَحْتَكِرُ قَالَ إنَّ مَعْمَرًا الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ كَانَ يَحْتَكِرُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>