للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَرُدُّ ذَلِكَ وَيُصَرِّحُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ مُطْلَقًا، لِأَنَّ أَمْوَالَ النَّاسِ وَحُقُوقَهُمْ وَإِنْ قَلَّتْ لَا يُسَامَحُ فِيهَا بِشَيْءٍ نَعَمْ غَصْبُ نَحْوِ كَلْبِ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ كَبِيرَةً كَمَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ.

وَلَمَّا ذَكَرَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ بَعْضَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِي غَصْبِ الْأَرْضِ قَالَ: هَلْ يُلْحَقُ بِالْأَرْضِ غَيْرُهَا إذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ فِي التَّحْرِيمِ، فَكَمَا اسْتَوَيَا فِي التَّحْرِيمِ اسْتَوَيَا فِي الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ أَوْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْغَصْبَ فِي الْأَرْضِ يَعْظُمُ ضَرَرُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، هَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ، وَقَدْ يُحْتَجُّ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ: «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَإِنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا «رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ الْعَمَلَ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ» فَقَدْ تَوَعَّدَ بِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فِي غَصْبِ حَقِّهِ مِنْ الْأُجْرَةِ انْتَهَى. وَهَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ نَظَرًا لِلدَّلِيلِ وَإِلَّا فَالْأَصْحَابُ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي كَوْنِ الْغَصْبِ كَبِيرَةً بَيْنَ الْأَرْضِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ. عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْجَلَالَ لَمْ يَرَ الْحَدِيثَ الْأَخِيرَ الَّذِي ذَكَرْته قُبَيْلَ التَّنْبِيهِ إذْ هُوَ مُصَرِّحٌ فِي الْعَصَا بِمَا يُفِيدُ الْوَعِيدَ، فَإِذَا انْضَمَّ إلَى الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْأُجْرَةِ أَفَادَ أَنَّ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ جَاءَ فِي غَيْرِ الْأَرْضِ أَيْضًا.

[بَابُ الْإِجَارَةِ]

[الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ تَأْخِيرُ أُجْرَةِ الْأَجِيرِ أَوْ مَنْعُهُ مِنْهَا]

(الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ) : تَأْخِيرُ أُجْرَةِ الْأَجِيرِ أَوْ مَنْعُهُ مِنْهَا بَعْدَ فَرَاغِ عَمَلِهِ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنْت خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ أُسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ» . وَابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ جَابِرٍ وَأَبُو يَعْلَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» .

تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ فِي الْغَصْبِ وَمَطْلِ الْغَنِيِّ، وَلِوُرُودِ هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فِيهِ بِخُصُوصِهِ أَفْرَدْته بِالذِّكْرِ، ثُمَّ رَأَيْتَ بَعْضَهُمْ عَدَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَأَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ كَمَا فَعَلْتُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>