للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَمَّدَ ذَلِكَ بِشَهْوَةٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَسَقَ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَكَذَا لَوْ عَاوَدَهُ عَبَثًا لَا لِشَهْوَةٍ فِيهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَفْسُقُ بِذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ إذَا غَلَبَتْ طَاعَاتُهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ كَبِيرَةً تُخْرِجُ عَنْ الْعَدَالَةِ. نَعَمْ لَوْ ظَنَّ الْفِتْنَةَ ثُمَّ اقْتَحَمَ النَّظَرَ فَيَظْهَرُ كَوْنُهُ كَبِيرَةً. انْتَهَى.

وَرَأَيْت بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَشَارَ لِمَا ذَكَرْته أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ إلَى الْمَرْأَةِ وَالْأَمْرَدِ زِنًا لِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «زِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَزِنَا الْيَدِ الْبَطْشُ، وَزِنَا الرِّجْلِ الْخُطَا وَالنَّفْسُ تَتَمَنَّى وَتَشْتَهِي» . وَلِأَجْلِ ذَلِكَ بَالَغَ الصَّالِحُونَ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُرْدِ وَعَنْ النَّظَرِ إلَيْهِمْ وَعَنْ مُخَالَطَتِهِمْ وَمُجَالَسَتِهِمْ. قَالَ الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ: لَا تُجَالِسُوا أَوْلَادَ الْأَغْنِيَاءِ فَإِنَّ لَهُمْ صُوَرًا كَصُوَرِ الْعَذَارَى وَهُمْ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنْ النِّسَاءِ وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ: مَا أَنَا بِأَخْوَفَ عَلَى الشَّابِّ النَّاسِكِ مِنْ سَبُعٍ ضَارٍ مِنْ الْغُلَامِ الْأَمْرَدِ يَقْعُدُ إلَيْهِ وَكَانَ يَقُولُ: لَا يَبِيتَنَّ رَجُلٌ مَعَ أَمْرَدَ فِي مَكَان وَاحِدٍ، وَحَرَّمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْخَلْوَةَ مَعَ الْأَمْرَدِ فِي بَيْتٍ أَوْ حَانُوتٍ أَوْ حَمَّامٍ قِيَاسًا عَلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا خَلَا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» ، وَفِي الْمُرْدِ مَنْ يَفُوقُ النِّسَاءَ بِحُسْنِهِ فَالْفِتْنَةُ بِهِ أَعْظَمُ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِي حَقِّهِ مِنْ الشَّرِّ مَا لَا يُمْكِنُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَيَسْهُلُ فِي حَقِّهِ مِنْ طُرُقِ الرِّيبَةِ وَالشَّرِّ مَا لَا يَسْهُلُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ فَهُوَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْلَى.

وَأَقَاوِيلُ السَّلَفِ فِي التَّنْفِيرِ مِنْهُمْ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ رُؤْيَتِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَسَمُّوهُمْ الْأَنْتَانَ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْتَقْذَرُونَ شَرْعًا، وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ نَظَرُ الْمَنْسُوبِ إلَى الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ. وَدَخَلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ الْحَمَّامَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ صَبِيٌّ حَسَنُ الْوَجْهِ فَقَالَ: أَخْرِجُوهُ عَنِّي فَإِنِّي أَرَى مَعَ كُلِّ امْرَأَةٍ شَيْطَانًا وَمَعَ كُلِّ أَمْرَدَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَيْطَانًا. وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمَعَهُ صَبِيٌّ حَسَنُ الْوَجْهِ فَقَالَ لَهُ: مَنْ هَذَا مِنْك؟ فَقَالَ ابْنُ أُخْتِي. قَالَ: لَا تَجِيءَ بِهِ إلَيْنَا مَرَّةً أُخْرَى، وَلَا تَمْشِ مَعَهُ بِطَرِيقٍ لِئَلَّا يَظُنُّ بِك مَنْ لَا يَعْرِفُك وَيَعْرِفُهُ سُوءًا. وَرُوِيَ لَكِنْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ كَمَا عَبَّرَ بِهِ بَعْضُهُمْ بَلْ وَاهٍ كَمَا عَبَّرَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْعَسْقَلَانِيُّ: «أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِيهِمْ أَمْرَدُ حَسَنٌ فَأَجْلَسَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَ ظَهْرِهِ وَقَالَ: إنَّمَا كَانَتْ فِتْنَةُ دَاوُد مِنْ النَّظَرِ» .

وَكَانَ يُقَالُ النَّظَرُ بَرِيدُ الزِّنَا. وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ أَنَّهُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إبْلِيسَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>