للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ الْغِيبَةُ وَالسُّكُوتُ عَلَيْهَا]

(الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ: الْغِيبَةُ وَالسُّكُوتُ عَلَيْهَا رِضًا وَتَقْرِيرًا) قَالَ - تَعَالَى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: ١١] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: ١٢] وَالسُّخْرِيَةُ: النَّظَرُ إلَى الْمَسْخُورِ مِنْهُ بِعَيْنِ النَّقْصِ: أَيْ لَا تَحْتَقِرْ غَيْرَك عَسَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا مِنْك وَأَفْضَلَ وَأَقْرَبَ. «رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ وَلَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» . وَقَدْ احْتَقَرَ إبْلِيسُ اللَّعِينُ آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ - فَبَاءَ بِالْخَسَارِ الْأَبَدِيِّ وَفَازَ آدَم بِالْعِزِّ الْأَبَدِيِّ، وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِعَسَى يَصِيرُ: أَيْ لَا تَحْتَقِرْ غَيْرَك فَإِنَّهُ رُبَّمَا صَارَ عَزِيزًا وَصِرْت ذَلِيلًا فَيَنْتَقِمُ مِنْك:

لَا تُهِينُ الْفَقِيرَ عَلَّك أَنْ ... تَرْكَعَ يَوْمًا وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهُ

{وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات: ١١] : أَيْ لَا يَعِبْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَاللَّمْزُ بِالْقَوْلِ وَغَيْرِهِ، وَالْهَمْزُ بِالْقَوْلِ فَقَطْ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ الْهَمْزَ بِالْعَيْنِ وَالشَّدْقِ وَالْيَدِ، وَاللَّمْزُ بِاللِّسَانِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَبَلَغَنِي عَنْ اللَّيْثِ أَنَّهُ قَالَ: اللُّمَزَةُ الَّذِي يَعِيبُك فِي وَجْهِك، وَالْهُمَزَةُ الَّذِي يَعِيبُك بِالْغَيْبِ.

وَفِي الْإِحْيَاءِ قَالَ مُجَاهِدٌ: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: ١] الْهُمَزَةُ: الطَّعَّانُ فِي النَّاسِ، وَاللُّمَزَةُ: الَّذِي يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاس وَالنَّبْزُ: الطَّرْحُ. وَاللَّقَبُ: مَا أَشَعَرَ بِرِفْعَةِ الْمُسَمَّى أَوْ ضِعَتِهِ: أَيْ لَا تَتَرَامَوْا بِهَا وَهُوَ هُنَا أَنْ يُدْعَى الْإِنْسَانُ بِغَيْرِ مَا سُمِّيَ بِهِ أَوْ بِنَحْوِ يَا مُنَافِقُ أَوْ يَا فَاسِقُ وَقَدْ تَابَ مِنْ فِسْقِهِ أَقْوَالٌ أَوَّلَهَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ.

وَقُدِّمَتْ السُّخْرِيَةُ؛ لِأَنَّهَا أَبْلُغُ الثَّلَاثَةِ فِي الْأَذِيَّةِ لِاسْتِدْعَائِهَا تَنْقِيصَ، الْمَرْءِ فِي حَضْرَتِهِ. ثُمَّ اللَّمْزُ؛ لِأَنَّهُ الْعَيْبُ بِمَا فِي الْإِنْسَانِ، وَهَذَا دُونَ الْأَوَّلِ ثُمَّ النَّبْزُ وَهَذَا نِدَاؤُهُ بِلَقَبِهِ وَهُوَ دُونَ الثَّانِي إذْ لَا يَلْزَمُ مُطَابَقَةُ مَعْنَاهُ لِلَقَبِهِ فَقَدْ يُلَقَّبُ الْحَسَنُ بِالْقَبِيحِ وَعَكْسِهِ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ لَا تَتَكَبَّرُوا فَتَسْتَحْقِرُوا إخْوَانَكُمْ بِحَيْثُ لَا تَلْتَفِتُوا إلَيْهِمْ أَصْلًا، وَأَيْضًا فَلَا تَعِيبُوهُمْ طَلَبًا لِحَطِّ دَرَجَتِهِمْ، وَأَيْضًا فَلَا تُسَمُّوهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>