للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَامِدٌ آثِمٌ. قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ. قَوْلُهُ: أَوْ قُدْرَةً إلَخْ يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّ سَرِقَةَ مَا لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ لِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ أَوْ لِشُبْهَةٍ فَإِنَّهُ كَبِيرَةٌ وَلَكِنْ سَقَطَتْ الْعُقُوبَةُ لِمَانِعٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ إنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعَدْلِ أَنْ لَا يَقْتَرِفَ الْكَبَائِرَ الْمُوجِبَاتِ لِلْحُدُودِ مِثْلَ السَّرِقَةِ وَالزِّنَا وَقَطْعَ الطَّرِيقِ أَوْ قُدْرَةً مِنْ الْفِعْلِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ فِيهَا لِشُبْهَةٍ أَوْ عَدَمِ حِرْزٍ. اهـ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ غَصْبَ الْحَبَّةِ وَسَرِقَتَهَا كَبِيرَةٌ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذِهِ دَعْوَى لَا تَصِحُّ، فَقَدْ اعْتَبَرَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فِي الْمَالِ الْمَغْصُوبِ أَنْ يَبْلُغَ رُبُعَ دِينَارٍ، وَمُقْتَضَاهُ اشْتِرَاطُهُ فِي السَّرِقَةِ. وَمَرَّ فِي مَبْحَثِ الْغَصْبِ زِيَادَةُ بَسْطٍ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ.

وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَالسَّرِقَةُ كَبِيرَةٌ وَأَخْذُ الْمَالِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَاحِشَةٌ وَالْقَتْلُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَاحِشَةٌ وَسَرِقَةُ الشَّيْءِ التَّافِهِ صَغِيرَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مِسْكِينًا لَا غِنَى بِهِ عَمَّا أُخِذَ مِنْهُ فَذَلِكَ كَبِيرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ. انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ مِسْكِينًا لَا غِنَى بِهِ عَنْهُ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَوْ كَانَ غَنِيًّا لَا غِنَى بِهِ عَنْهُ كَمَائِهِ أَوْ رَغِيفِهِ بِمَفَازَةٍ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ كَانَ كَبِيرَةً أَيْضًا، قَالَ: وَأَخْذُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ كَبِيرَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مَالُهُ فَقِيرًا أَوْ أَصْلًا لِلْآخِذِ أَوْ أَخَذَ بِالْكُرْهِ وَالْقَهْرِ مِنْهُ فَهُوَ فَاحِشَةٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْقِمَارِ، فَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ شَيْئًا تَافِهًا وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ غَنِيًّا لَا يَتَبَيَّنُ عَلَيْهِ مِنْ ضَرَرٍ فَذَلِكَ صَغِيرَةٌ، انْتَهَى. وَيُوَافِقُهُ مَا مَرَّ فِي الْغَصْبِ وَغَيْرِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُ ذَلِكَ.

فَائِدَةٌ: جَاءَ فِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ فِيمَا ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» ، وَفِي أُخْرَى: «قَطَعَ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا لَا أَقَلَّ» ، وَلَا تَنَافِيَ؛ لِأَنَّ رُبُعَ الدِّينَارِ كَانَ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، وَكَانَ الدِّينَارُ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ، قَالَ سَأَلْنَا فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ عَنْ تَعْلِيقِ الْيَدِ فِي عُنُقِ السَّارِقِ أَمِنَ السُّنَّةِ؟ فَقَالَ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَارِقٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ» . قَالَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: وَلَا يَنْفَعُ السَّارِقَ وَالْغَاصِبَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ كُلِّ مَنْ أَخَذَ مَالًا بِغَيْرِ وَجْهِهِ تَوْبَةٌ إلَّا أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَهُ كَمَا يَأْتِي فِي مَبْحَثِ التَّوْبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>