للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَيْضًا: وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَشِيشَةَ الْمَعْرُوفَةَ حَرَامٌ كَالْخَمْرِ يُحَدُّ آكِلُهَا أَيْ عَلَى قَوْلٍ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا يُحَدُّ شَارِبُ الْخَمْرِ وَهِيَ أَخْبَثُ مِنْ الْخَمْرِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تُفْسِدُ الْعَقْلَ وَالْمِزَاجَ: أَيْ إفْسَادًا عَجِيبًا حَتَّى يَصِيرَ فِي مُتَعَاطِيهَا تَخَنُّثٌ قَبِيحٌ وَدِيَاثَةٌ عَجِيبَةٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ فَلَا يَصِيرُ لَهُ مِنْ الْمُرُوءَةِ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ وَيُشَاهَدُ مِنْ أَحْوَالِهِ خُنُوثَةُ الطَّبْعِ وَفَسَادُهُ وَانْقِلَابُهُ إلَى أَشَرِّ مِنْ طَبْعِ النِّسَاءِ وَمِنْ الدِّيَاثَةِ عَلَى زَوْجَتِهِ وَأَهْلِهِ فَضْلًا عَنْ الْأَجَانِبِ مَا يَقْضِي الْعَاقِلُ مِنْهُ بِالْعَجَبِ الْعُجَابِ، وَكَذَا مُتَعَاطِي نَحْوَ الْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا مَرَّ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَالْخَمْرُ أَخْبَثُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تُفْضِي إلَى الصِّيَالِ عَلَى الْغَيْرِ وَإِلَى الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ وَالْبَطْشِ وَكِلَاهُمَا يَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ. وَرَأَى آخَرُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ تَعْذِيرَ آكِلِهَا كَالْبَنْجِ. وَمِمَّا يُقَوِّي الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يُحَدُّ أَنَّ آكِلَهَا يَنْتَشِي وَيَشْتَهِيهَا كَالْخَمْرِ وَأَكْثَرَ حَتَّى لَا يَصْبِرُ عَنْهَا وَتَصُدُّهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ تِلْكَ الْقَبَائِحِ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي الْحَدِّ فِيهَا وَفِي نَجَاسَتِهَا كَوْنُهَا جَامِدَةً مَطْعُومَةً لَيْسَتْ شَرَابًا فَقِيلَ: هِيَ نَجِسَةٌ كَالْخَمْرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ: أَيْ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. وَقِيلَ: طَاهِرَةٌ لِجُمُودِهَا أَيْ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقِيلَ: الْمَائِعَةُ نَجِسَةٌ وَالْجَامِدَةُ طَاهِرَةٌ. قَالَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْخَمْرِ الْمُسْكِرِ لَفْظًا وَمَعْنًى.

قَالَ أَبُو مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي شَرَابَيْنِ كُنَّا نَصْنَعُهُمَا بِالْيَمَنِ الْبِتْعُ وَهُوَ مِنْ الْعَسَلِ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ، وَالْمِزْرُ وَهُوَ مِنْ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ قَالَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلَامِ بِخَوَاتِيمِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» وَلَمْ يُفَرِّقْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ نَوْعٍ وَنَوْعٍ كَكَوْنِهِ مَأْكُولًا أَوْ مَشْرُوبًا، عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ قَدْ يُتَأَدَّمُ بِهَا بِالْخُبْزِ، وَالْحَشِيشَةَ قَدْ تُذَابُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْعُلَمَاءُ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عَلَى عَهْدِ السَّلَفِ الْمَاضِينَ، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ فِي مَجِيءِ التَّتَارِ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ. وَمَا أَحْسَنَ مَا قِيلَ:

فَآكِلُهَا وَزَاعِمُهَا حَلَالًا ... فَتِلْكَ عَلَى الشَّقِيِّ مُصِيبَتَانِ

فَوَاَللَّهِ مَا فَرِحَ إبْلِيسُ بِمِثْلِ فَرَحِهِ بِالْحَشِيشَةِ لِأَنَّهُ زَيَّنَهَا لِلْأَنْفُسِ الْخَسِيسَةِ.

حُكِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَنَّ شَابًّا جَاءَ إلَيْهِ بَاكِيًا حَزِينًا فَقَالَ: يَا أَمِيرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>