للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو يدع قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» فهو يشتمل على معنيين متضادين، أحدهما: أن المراد به المدح، أي:

إذا لم تفعل فعلا يستحيا منه فافعل ما شئت، لأنك آمن من مغبته.

والآخر أن المراد به الذم، أي: إذا لم يكن لك حياء يردعك عن فعل ما يستحيا منه فافعل ما شئت، لأنك بلغت أدنى دركات المهانة.

وهذان معنييان ضدان، أحدهما مدح والآخر ذم.

[الكلام الموجه في شعر أبي الطيب المتنبي:]

وهنا يحسن بنا أن ندرج فصلا من روائع أبي الطيب المتنبي في أماديحه لكافور، فقد كان يتعمّد هذا اللون من الكلام كقوله من قصيدة فيه، أولها:

عدوّك مذموم بكلّ لسان ... ولو كان من أعدائك القمران

ولله سرّ في علاك وإنما ... كلام العدا ضرب من الهذيان

ثم قال بعد ذلك:

فمالك تعنى بالأسنّة والقنا ... وجدّك طعّان بغير لسان؟

فإن هذا الكلام أشبه بالذم منه بالمدح، لأنه يقول: لم تبلغ ما بلغته بسعيك واهتمامك بل بحظّ وسعادة، وهذا لا فضل لك فيه، لأنه إذا كان حظه هو السبب في تقدمه فما قيمته؟ وما شأنه؟ وما أهون أمره!! وما أقل خطره!! ولأن السعادة قد تنال الخامل والجاهل ومن لا يستحقها. وقد كان أبو الطيب يجنح الى استعمال هذا الضرب من القول في قصائده الكافوريات.

<<  <  ج: ص:  >  >>