للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرَائِطِهِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَمَّا جَحَدَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا، وَالشَّيْءُ الْمُسَبَّلُ إذَا صَارَ مُسْتَهْلَكًا وَجَبَ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ كَالْفَرَسِ الْمُسَبَّلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إذَا قُتِلَ فَهَذَا اسْتِحْسَانٌ أَخَذَ بِهِ الْمَشَايِخُ، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ.

رَجُلٌ وَقَفَ ضَيْعَةً لَهُ ثُمَّ إنَّ الْوَاقِفَ زَرَعَهَا وَأَنْفَقَ فِيهَا وَأَخْرَجَتْ زَرْعًا وَالْبُذُورُ مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ فَقَالَ: أَنَا زَرَعْتُهَا لِنَفْسِي بِبَذْرِي، وَقَالَ أَهْلُ الْوَقْفِ: زَرَعْتَهَا لِلْوَقْفِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاقِفِ الزَّارِعِ وَالزَّرْعُ لَهُ فَإِنْ سَأَلَ أَهْلُ الْوَقْفِ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ يَدِهِ وَقَدْ زَرَعَهَا لِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يُخْرِجُهَا مِنْ يَدِهِ وَلَكِنْ يَتَقَدَّمُ فِي زِرَاعَتِهَا لِلْوَقْفِ فَإِنْ احْتَجَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَقْفِ عِنْدَهُ مَالٌ وَلَا بَذْرٌ، قَالَ الْقَاضِي: اسْتَدِنْ عَلَى الْوَقْفِ وَاجْعَلْ مَا تَسْتَدِينُ بِهِ فِي الْبُذُورِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى الزَّرْعِ، فَإِنْ قَالَ: لَا يُمْكِنُنِي؛ قَالَ لِأَهْلِ الْوَقْفِ: اسْتَدِينُوا أَنْتُمْ مَا تَشْتَرُونَ بِهِ بَذْرًا وَمَا يَكُونُ فِي النَّفَقَةِ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَأْخُذُوا ذَلِكَ مِمَّا يَجِيءُ بِهِ مِنْ الْغَلَّةِ، فَإِنْ قَالُوا: لَا نَأْمَنُ أَنْ نَسْتَدِينَ نَحْنُ وَنَشْتَرِيَ الْبَذْرَ، وَكَمَا صَارَ فِي يَدِ الْوَاقِفِ جَحَدَ ذَلِكَ، لَكِنْ نَحْنُ نَزْرَعُ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْلَقَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الَّذِي وَقَفَ أَحَقُّ بِالْقِيَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَخُوفًا عَلَيْهِ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُتْلِفَهُ فَإِنْ زَرَعَ الْوَاقِفُ الْأَرْضَ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ فَأَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ مِنْ غَرَقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَذَهَبَ الزَّرْعُ فَقَالَ: اسْتَدَنْت وَزَرَعْت هَذَا الزَّرْعَ الَّذِي عَطِبَ لِلْوَقْفِ وَجَاءَتْ غَلَّةٌ أُخْرَى فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هَذِهِ الْغَلَّةِ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ اسْتَدَانَهُ لِذَلِكَ، وَقَالَ أَهْلُ الْوَقْفِ: إنَّمَا زَرَعَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْوَاقِفِ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هَذِهِ الْغَلَّةِ مَا اسْتَدَانَ لِهَذَا الزَّرْعِ فَإِنْ قَالَ الْوَاقِفُ: اسْتَدَنْت أَلْفَ دِرْهَمٍ وَاشْتَرَيْت بِهَا بَذْرًا وَأَنْفَقْت عَلَيْهِ، وَقَالَ أَهْلُ الْوَقْفِ: إنَّمَا أَنْفَقْتَ مِنْ ثَمَنِ الْبَذْرِ، وَالنَّفَقَةُ عَلَى الزَّرْعِ خَمْسُمِائَةٍ، قَالَ: يُصَدَّقُ الْوَاقِفُ فِي مِقْدَارِ مَا يُنْفَقُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنْ اخْتَلَفَ وَالِي الْوَقْفِ يَعْنِي الْقَيِّمَ وَأَهْلُ الْوَقْفِ فِي الزَّرْعِ فَقَالَ الْوَالِي: زَرَعْتُهَا لِنَفْسِي بِبَذْرِي وَنَفَقَتِي، وَقَالَ أَهْلُ الْوَقْفِ: بَلْ زَرَعْتَهَا لَنَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَالِي كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>