للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْخُ الْإِسْلَامِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَإِنَّمَا يُخَالِفَانِ فِي ذَلِكَ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ اتَّفَقَ أَهْلُ عَصْرٍ عَلَى قَوْلٍ وَانْقَرَضُوا فَخَرَجَ هَذَا الْقَاضِي عَنْ قَوْلِهِمْ وَقَضَى بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ لَمَّا رَأَى الصَّوَابَ بِخِلَافِهِ فَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ هَذَا الِاتِّفَاقَ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بَعْضُهُمْ قَالُوا: لَا يَسَعُهُ الْخِلَافُ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: يَسَعُهُ الْخِلَافُ فَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ هَذَا الِاتِّفَاقَ اخْتِلَافٌ لَا يَسَعُهُ الْخِلَافُ بِالِاتِّفَاقِ.

وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ قَاضٍ اُسْتُفْتِيَ فِي حَادِثَةٍ وَأَفْتَى وَرَأْيُهُ بِخِلَافِ رَأْيِ الْمُفْتِي فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ فَإِنْ تَرَكَ رَأْيَهُ وَقَضَى بِرَأْيِ الْمُفْتِي لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي التَّحَرِّي وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَنْفُذُ لِمُصَادَفَتِهِ فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ وَقْتَ الْقَضَاءِ وَقَضَى بِرَأْيِ الْمُفْتِي، ثُمَّ حَدَثَ لَهُ رَأْيٌ بِخِلَافِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَنْقُضُهُ هُوَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَنْقُضُهُ كَمَا لَوْ قَضَى بِرَأْيِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ رَأْيٌ آخَرُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

وَفِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ يُخَالِفُهُ وَلَا إجْمَاعَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَإِمَّا أَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَأَفْضَى رَأْيُهُ إلَى شَيْءٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِرَأْيِهِ، وَإِنْ خَالَفَ رَأْيَ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْبَعَ رَأْيَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ هُوَ الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ ظَاهِرًا وَلَوْ أَفْضَى رَأْيُهُ إلَى شَيْءٍ وَهُنَاكَ مُجْتَهِدٌ آخَرُ أَفْقَهُ مِنْهُ لَهُ رَأْيٌ آخَرُ فَأَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ النَّظَرِ فِيهِ وَيُرَجِّحَ رَأْيَهُ لِكَوْنِهِ أَفْقَهَ مِنْهُ هَلْ يَسَعُهُ ذَلِكَ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَسَعُهُ ذَلِكَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَسَعُهُ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ هَذَا الِاخْتِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ، وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْحَادِثَةِ اسْتَعْمَلَ رَأْيَهُ فِي ذَلِكَ وَعَمِلَ بِهِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُشَاوِرَ أَهْلَ الْفِقْهِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْحَادِثَةِ نَظَرَ فِي ذَلِكَ فَأَخَذَ بِمَا يُؤَدِّي إلَى الْحَقِّ ظَاهِرًا.

وَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى رَأْيٍ يُخَالِفُ رَأْيَهُ عَمِلَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ أَيْضًا لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْجَلَ بِالْقَضَاءِ مَا لَمْ يَقْضِ حَقَّ التَّأْوِيلِ وَالِاجْتِهَادِ.

وَيَنْكَشِفْ لَهُ وَجْهُ الْحَقِّ فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ بِاجْتِهَادِهِ قَضَى بِمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَلَا يَكُونُ خَائِفًا فِي اجْتِهَادِهِ بَعْدَمَا بَذَلَ مَجْهُودَهُ لِإِصَابَةِ الْحَقِّ حَتَّى لَوْ قَضَى مُجَازِفًا لَمْ يَصِحَّ قَضَاؤُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى -.

وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَدْرِي يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَضَى بِرَأْيِهِ وَيَحْكُمُ بِالصِّحَّةِ حَمْلًا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَالسَّدَادِ مَا أَمْكَنَ هَذَا إذَا كَانَ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَإِنْ عَرَفَ أَقَاوِيلَ أَصْحَابِنَا وَحَفِظَهَا عَلَى الْإِحْكَامِ، وَالْإِتْقَانِ عَمِلَ بِقَوْلِ مَنْ يَعْتَقِدُ قَوْلَهُ حَقًّا عَلَى التَّقْلِيدِ، وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ أَقَاوِيلَهُمْ عَمِلَ بِفَتْوَى أَهْلِ الْفِقْهِ فِي بَلَدِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ إلَّا فَقِيهٌ وَاحِدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يَسَعُهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِهِ وَنَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

وَالِاجْتِهَادُ

<<  <  ج: ص:  >  >>