للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَذْلُ الْمَجْهُودِ لِنَيْلِ الْمَقْصُودِ.

وَشَرْطُ صَيْرُورَةِ الْمَرْءِ مُجْتَهِدًا أَنْ يَعْلَمَ مِنْ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ مِقْدَارَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ دُونَ الْمَوَاعِظِ، وَقِيلَ: إذَا كَانَ صَوَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ حَلَّ لَهُ الِاجْتِهَادُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.

وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِي حَدِّ الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَوَى عِلْمَ الْكِتَابِ، وَوُجُوهَ مَعَانِيهِ، وَعِلْمَ السُّنَّةِ بِطُرُقِهَا وَمُتُونِهَا، وَوُجُوهَ مَعَانِيهَا، وَأَنْ يَكُونَ مُصِيبًا فِي الْقِيَاسِ عَالِمًا بِعُرْفِ النَّاسِ كَذَا فِي الْكَافِي.

قَالَ: وَإِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ شَاوَرَهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِذَا شَاوَرَهُمْ وَاتَّفَقَ رَأْيُهُ وَرَأْيُهُمْ عَلَى شَيْءٍ حَكَمَ بِهِ، وَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ شَاوَرَهُمْ نَظَرَ إلَى أَقْرَبِ الْأَقَاوِيلِ عِنْدَهُ مِنْ الْحَقِّ، وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ كِبَرُ السِّنِّ، وَكَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ كَثْرَةُ الْعَدَدِ فَالْوَاحِدُ قَدْ يُوَفَّقُ لِلصَّوَابِ مَا لَا تُوَفَّقُ لَهُ الْجَمَاعَةُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَتُعْتَبَرُ كَثْرَةُ الْعَدَدِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ اجْتِهَادٌ عَلَى شَيْءٍ وَبَقِيَتْ الْحَادِثَةُ مُخْتَلِفَةً وَمُشْكِلَةً عَلَيْهِ كَتَبَ إلَى فُقَهَاءِ غَيْرِ الْمِصْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَالْمُشَاوَرَةُ بِالْكِتَابِ سُنَّةٌ قَدِيمَةٌ فِي الْحَوَادِثِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنْ اتَّفَقَ الَّذِينَ كَتَبَ إلَيْهِمْ الْقَاضِي عَلَى شَيْءٍ - وَرَأْيُ الْقَاضِي يُوَافِقُ رَأْيَهُمْ -، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ، وَالِاجْتِهَادِ أَمْضَى ذَلِكَ بِرَأْيِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَا بَيْنَهُمْ نَظَرَ إلَى أَقْرَبِ الْأَقْوَالِ عِنْدَهُ مِنْ الْحَقِّ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَهْلِ الْفِقْهِ أَخَذَ بِقَوْلِ مَنْ هُوَ أَفْقَهُ وَأَوْرَعُ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي شَاوَرَ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ فَاتَّفَقُوا عَلَى شَيْءٍ، وَرَأْيُ الْقَاضِي بِخِلَافِ رَأْيِهِمْ لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتْرُكَ رَأْيَ نَفْسِهِ وَيَقْضِيَ بِرَأْيِهِمْ، وَإِنْ شَاوَرَ الْقَاضِي رَجُلًا وَاحِدًا كَفَى، وَلَكِنَّ مُشَاوَرَةَ الْفُقَهَاءِ أَحْوَطُ، وَإِنْ أَشَارَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إلَى شَيْءٍ وَرَأْيُ الْقَاضِي بِخِلَافِ رَأْيِهِ فَالْقَاضِي لَا يَتْرُكُ رَأْيَ نَفْسِهِ فَإِنْ اهْتَمَّ الْقَاضِي بِرَأْيِهِ لِمَا أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ أَفْضَلُ وَأَفْقَهُ عِنْدَهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَقَالَ: لَوْ قَضَى بِرَأْيِ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَهْتَمَّ الْقَاضِي بِرَأْيِهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتْرُكَ رَأْيَ نَفْسِهِ وَيَقْضِيَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي اجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]

هَلْ يَجُوزُ لِلصَّحَابِيِّ الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

؟ قِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ لِمَنْ كَانَ يَبْعُدُ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ كَانَ يَقْرُبُ مِنْهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

اخْتَلَفُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ كَانَ يَجْتَهِدُ فِيمَا لَمْ يُوحَ إلَيْهِ وَيُفَصِّلُ الْحُكْمَ بِاجْتِهَادِهِ.؟

بَعْضُهُمْ قَالُوا: مَا كَانَ يَجْتَهِدُ بَلْ كَانَ يَنْتَظِرُ الْوَحْيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى شَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ شَرِيعَتَهُ شَرِيعَةٌ لَنَا مَا لَمْ يُعْرَفْ

<<  <  ج: ص:  >  >>