للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْبَيْعِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ وَأَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى غَيْرِهِ أَنَّك بِعْتَ مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِكَذَا، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شُهُودَ زُورٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْجَارِيَةِ لِلْمُشْتَرِي نَفَذَ قَضَاؤُهُ بَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى يَحِلَّ لِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةُ الْبَيْعِ عَلَى التَّفْصِيلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ كَانَ الثَّمَنُ الْمَذْكُورُ مِثْلَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ أَوْ أَقَلَّ مِقْدَارَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بَاطِنًا. وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى نَصًّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِقْدَارَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بَاطِنًا؛ لِأَنَّ طَرِيقَ تَصْحِيحِ الْقَضَاءِ بَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ أَنَّ الْقَاضِيَ بِقَضَائِهِ يَصِيرُ مُنْشِئًا لِذَلِكَ التَّصَرُّفِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْقَاضِي مُنْشِئًا فِيمَا لَهُ وِلَايَةُ الْإِنْشَاءِ لِلْبَيْعِ وَلَهُ وِلَايَةُ الْإِنْشَاءِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ مِقْدَارَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْبَيْعِ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ قَدْرَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمِقْدَارِ الْغَبْنِ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ إنْشَاءِ التَّبَرُّعِ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: لَا بَلْ يَنْفُذُ الْقَضَاءُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَإِنْ كَانَ بِغَبْنٍ فَهُوَ مُبَادَلَةٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ، وَصُورَتُهُ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّك اشْتَرَيْت مُنِيس هَذِهِ الْجَارِيَةَ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شُهُودَ زُورٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ؛ حَلَّ لِلْمُشْتَرِي وَطْءُ الْجَارِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ عَزَمَ الْمُشْتَرِي عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا هَذَا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شُهُودَ زُورٍ وَلَوْ لَمْ يُقِمْ الْمُدَّعِي شُهُودًا وَحَلَفَ الْمُشْتَرِي وَرَدَّ الْجَارِيَةَ عَلَى الْبَائِعِ، إنْ عَزَمَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَفْسِيرِ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ الْعَزْمِ بِالْقَلْبِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَفْسِيرُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِلِسَانِهِ عَلَى الْعَزْمِ بِالْقَلْبِ وَلَا يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بِالْقَلْبِ.

(وَمِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ الْعَقْدِ) رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ هِبَةً مَقْبُوضَةً فَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شُهُودَ زُورٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ لِلْمُدَّعِي فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَنْفُذُ الْقَضَاءُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا حَتَّى لَا يَحِلَّ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ لَا يَنْفُذُ إذْ لَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ إنْشَاءِ التَّبَرُّعِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَنْفُذُ بَاطِنًا؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ إنْشَاءِ التَّبَرُّعِ فِي الْجُمْلَةِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الصَّدَقَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، كَذَا فِي الْكَافِي (وَأَمَّا الْأَمْلَاكُ الْمُرْسَلَةُ) فَالْقَضَاءُ فِيهَا بِشَهَادَةِ الزُّورِ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَأَجْمَعُوا أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ ظَهَرُوا عَبِيدًا أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>