للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي كَانَتْ بَاطِلَةً وَأَنَّ الشُّهُودَ وَهَمُوا فِي بَعْضِ الشَّهَادَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ لِلْقَاضِي بِمَا صَحَّ عِنْدَهُ مِنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ وَهْمَهُمْ فِي الشَّهَادَةِ وَبُطْلَانِ دَعْوَى الْمُدَّعِي، ثُمَّ الْقَاضِي يَتَفَحَّصُ عَمَّا أَخْبَرَهُ الْمُزَكِّي غَايَةَ التَّفَحُّصِ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ حَقِيقَةُ مَا أَخْبَرَهُ الْمُزَكِّي رَدَّ شَهَادَةَ الشُّهُودِ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ حَقِيقَةُ مَا أَخْبَرَهُ الْمُزَكِّي قَبِلَ شَهَادَةَ الشُّهُودِ وَإِنْ عَرَفَ الْمُعَدِّلُ مِنْ الشُّهُودِ مَا هُوَ جَرْحٌ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَذْكُرَ جَرْحَهُ صَرِيحًا بَلْ يَذْكُرُهُ بِالتَّعْرِيضِ أَوْ بِالْكِنَايَةِ بِأَنْ يَقُولَ: اللَّهُ أَعْلَمُ، أَوْ مَا أَشْبَهَهُ، تَحَرُّزًا عَنْ هَتْكِ السَّتْرِ عَنْ الْمُسْلِمِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: لَا بُدَّ وَأَنْ يَذْكُرَ الْجَرْحَ وَيَذْكُرَ سَبَبَهُ لِيَنْظُرَ الْقَاضِي فِيهِ فَإِنْ رَآهُ جَرْحًا رَدَّ شَهَادَتَهُ وَمَا لَا فَلَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

إذَا كَانَ الْمُعَدِّلُ لَا يَعْرِفُ الشَّاهِدَ فَعَدَّلَهُ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ عِنْدَهُ وَسِعَهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَدِّلَ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ شَاهِدَانِ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي وَالْحَاكِمُ يَعْرِفُ أَحَدَهُمَا بِالْعَدَالَةِ وَلَا يَعْرِفُ الْآخَرَ فَزَكَّاهُ الْمَعْرُوفُ بِالْعَدَالَةِ؛ قَالَ نُصَيْرٌ: لَا يَقْبَلُ تَعْدِيلَهُ. وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ رِوَايَتَانِ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ثَلَاثَةٍ شَهِدُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَهُوَ يَعْرِفُ اثْنَيْنِ وَلَمْ يَعْرِفْ الثَّالِثَ فَعَدَّلَهُ الِاثْنَيْنِ قَالَ: يَجُوزُ تَعْدِيلُهُمَا إيَّاهُ فِي شَهَادَةٍ أُخْرَى، وَلَا يَجُوزُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ نُصَيْرٍ وَبِهِ يُفْتِي وَفِي النَّوَازِلِ إذَا سُئِلَ الْمُزَكِّي عَنْ حَالِ الشَّاهِدِ فَسَكَتَ فَهُوَ جَرْحٌ، وَفِيهِ أَيْضًا الشَّاهِدُ إذَا كَانَ فِي السِّرِّ فَاسِقًا وَفِي الظَّاهِرِ عَدْلًا فَأَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ فَأَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ صَحَّ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَكِنْ لَا يَسَعُهُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُدَّعِي وَهَتْكَ سَتْرِ نَفْسِهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَإِنْ كَانَتْ الشُّهُودُ شَهِدُوا عَلَى حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ سَأَلَ عَنْهُمْ وَعَنْ أَخْبَارِهِمْ وَيَبْحَثُ عَنْ ذَلِكَ بَحْثًا شَافِيًا حَتَّى يَسْتَقْصِيَ عَنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَإِذَا اسْتَقْصَى رُبَّمَا يَظْهَرُ سَبَبُ مَا يُوجِبُ إيقَافَ الْحَدِّ عَنْهُ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي بَعْدَ مَا جَرَّحَ الْمُزَكِّي شُهُودَهُ: أَنَا آتِي بِمَنْ يُعَدِّلُهُمْ مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ، أَوْ قَالَ لِلْقَاضِي: أُسَمِّي لَك قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ فَاسْأَلْهُمْ عَنْهُمْ فَسَمَّى لَهُ قَوْمًا يَصْلُحُونَ لِلْمَسْأَلَةِ قَالَ: فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ قَوْلَهُ فَإِنْ جَاءَ بِقَوْمٍ وَعَدَّلُوا وَسَأَلَ أُولَئِكَ فَعَدَّلُوا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَعَنُوا فِيهِمْ بِمَا يَطْعَنُونَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا جُرِحُوا بِشَيْءٍ يَكُونُ جَرْحًا عِنْدَهُمْ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ جَرْحًا عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ الْمُعَدِّلِينَ، فَإِنْ بَيَّنُوا جَرْحًا عِنْدَ الْكُلِّ فَالْجَرْحُ أَوْلَى، وَإِلَّا لَا يُلْتَفَتُ إلَى ذَلِكَ وَأَخَذَ بِقَوْلِ الَّذِينَ عَدَّلُوهُمْ. وَإِذَا قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: هَذَانِ الشَّاهِدَانِ عَبْدَانِ، وَقَالَا: نَحْنُ حُرَّانِ لَمْ نُمْلَكْ قَطُّ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ عَرَفَهُمَا الْقَاضِي وَعَرَفَ حُرِّيَّتَهُمَا لَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُمَا وَكَانَا مَجْهُولَيْنِ قَبِلَ قَوْلَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا هَذَا، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَوْ هُمَا يُقِيمَانِ بَيِّنَةً أَنَّهُمَا حُرَّانِ فَحِينَئِذٍ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا فَإِنْ قَالَا: سَلْ عَنَّا لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمَا فَإِنْ سَأَلَ عَنْهُمَا فَأُخْبِرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>