للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَبَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ وَأَبْطَلَ بَيْعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيِّنَتَهُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا. وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ بِإِقَامَةِ الشَّاهِدَيْنِ إنْ لَمْ تَثْبُتْ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي فِي الْمُدَّعَى بِهِ لَكِنْ ثَبَتَ حَقُّ الْمِلْكِ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ بِكَمَالِهَا، وَحَقُّ الْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي فِي الْمُدَّعَى بِهِ يَمْنَعُ صِحَّةَ بَيْعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صِيَانَةً لِحَقِّ الْمُدَّعِي إنَّمَا أَقَرَّ بِبَيْعٍ بَاطِلٍ وَالْقَاضِي عَلِمَ بَيْعًا بَاطِلًا فَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ دَافِعًا خُصُومَةَ الْمُدَّعِي. أَمَّا بِإِقَامَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فَكَمَا لَمْ تَثْبُتْ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْمِلْكِ لِنُقْصَانٍ فِي الْحُجَّةِ، فَكَانَ تَصَرُّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَاصِلًا فِي خَالِصِ مِلْكِهِ فَصَحَّ فَالْمُدَّعِي أَقَرَّ بِبَيْعٍ صَحِيحٍ وَالْقَاضِي عَلِمَ بَيْعًا صَحِيحًا فَصَلُحَ دَافِعًا خُصُومَةَ الْمُدَّعِي.

قَالَ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ عَبْدٌ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْدَعَهُ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ وَذُو الْيَدِ يَجْحَدُ ذَلِكَ أَوْ لَا يَجْحَدُ وَلَا يُقِرُّ بَلْ يَسْكُتُ فَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ لِعَدَمِ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ حَتَّى أَقَرَّ ذُو الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْدَعْنِيهِ - فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَدْفَعُ الْعَبْدَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَإِذَا عَدَلَتْ الشُّهُودُ قَضَى بِالْعَبْدِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ لِلَّذِي لَمْ يُقِرَّ لَهُ ذُو الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ لَمَّا صَدَّقَ ذَا الْيَدِ فِيمَا أَقَرَّ وَأَخَذَ الْعَبْدَ صَارَ الْعَبْدُ مِلْكًا لَهُ رَقَبَةً وَيَدًا فَصَارَ الْمُقَرُّ لَهُ مَعَ صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْخَارِجِ مَعَ ذِي الْيَدِ.

أَمَّا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَيَقْضِي بِكُلِّ الْعَبْدِ لِلْخَارِجِ وَاعْتَبَرَهُ بِمَا لَوْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ أَنْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ، ثُمَّ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَى كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ لِلَّذِي لَمْ يُقِرَّ لَهُ ذُو الْيَدِ لِمَا قُلْنَا، فَهَهُنَا كَذَلِكَ وَالْجَوَابُ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَبَيْنَهُمَا بَعْدَهَا أَنَّ التَّزْكِيَةَ لَا تَجْعَلُ الْبَيِّنَةَ حُجَّةً بَلْ يَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنَّ كَوْنَهَا حُجَّةً مُثْبِتَةً لِلِاسْتِحْقَاقِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَمَتَى كَانَ الْإِقْرَارُ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَعِنْدَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ يَظْهَرُ الِاسْتِحْقَاقُ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الْإِقْرَارَ كَانَ بَاطِلًا لِصُدُورِهِ عَنْ شَخْصٍ ظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَمَتَى بَطَلَ الْإِقْرَارُ بَطَلَ التَّصْدِيقُ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَصَارَ وُجُودُ الْإِقْرَارِ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَظُهُورُ الْعَدَالَةِ لَا يُظْهِرُ الِاسْتِحْقَاقَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَلَا يَتَعَيَّنُ بُطْلَانُ الْإِقْرَارِ.

وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ الْإِقْرَارُ صَارَ الْمُقَرُّ لَهُ صَاحِبَ يَدٍ وَغَيْرُ الْمُقَرِّ لَهُ خَارِجًا فَيَقْضِي بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ، وَلَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى مَا ادَّعَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ بِالْعَبْدِ لِأَحَدِهِمَا يُدْفَعُ الْعَبْدُ إلَيْهِ وَلَا يَبْطُلُ مَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ أَقَامَ غَيْرُ الْمُقَرِّ لَهُ شَاهِدًا آخَرَ قَضَى بِالْعَبْدِ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَقْضِ لَهُ حَتَّى جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ بِشَاهِدٍ آخَرَ قَضَى بِالْعَبْدِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، إلَّا أَنْ يَقُولَ الَّذِي لَمْ يُقِرَّ لَهُ ذُو الْيَدِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ بِالْعَبْدِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ: إنِّي أُعِيدُ شَاهِدِي الْأَوَّلَ وَأُقِيمُهَا مَعَ شَاهِدِي الْآخَرِ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ؛ فَحِينَئِذٍ يَقْضِي بِكُلِّ الْعَبْدِ لَهُ.

وَلَوْ قَالَ غَيْرُ الْمُقَرِّ لَهُ: قَدْ مَاتَ شَاهِدِي الْأَوَّلُ أَوْ غَابَ، يُقَالُ لَهُ: هَاتِ بِشَاهِدٍ آخَرَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَيَقْضِي لَك بِكُلِّ الْعَبْدِ، فَإِذَا أَقَامَ شَاهِدًا آخَرَ يُضَمُّ الثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ فَيَقْضِي بِالْعَبْدِ كُلِّهِ لَهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُقَرُّ لَهُ شَاهِدًا آخَرَ مَعَ الشَّاهِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>