للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا أَوْ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ فَرَدَّهَا إلَى يَدِهِ زَالَ الضَّمَانُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الرُّكُوبُ وَالِاسْتِخْدَامُ وَاللُّبْسُ لَمْ يَنْقُصْهَا، أَمَّا إذَا نَقَصَهَا ضَمِنَ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُودَعَ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقُ إنَّمَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ إذَا صَدَّقَهُ الْمَالِكُ فِي الْعَوْدِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ.

وَرَأَيْتُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْمُودَعُ إذَا خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ وَكَذَّبَهُ الْمُودِعُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.

وَلَوْ حَمَلَ الْفَحْلُ عَلَى الْوَدِيعَةِ فَنَتَجَتْ ثُمَّ هَلَكَتْ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَ وَالْوَلَدُ لِلْمَالِكِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

الْمُودَعُ إذَا لَبِسَ ثَوْبَ الْوَدِيعَةِ يَوْمًا فَنَزَعَ نَاوِيًا لُبْسَهُ ثَانِيًا فَتَلِفَ الثَّوْبُ فِي خِلَالِهِ يَضْمَنُ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.

لَبِسَ ثَوْبَ الْوَدِيعَةِ فَدَخَلَ الْمَشْرَعَةَ لِيَخُوضَ الْمَاءَ فَنَزَعَ الثَّوْبَ وَوَضَعَهُ عَلَى أَلْوَاحِ الْمَشْرَعَةِ فَلَمَّا انْغَمَسَ سُرِقَ الثَّوْبُ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ. وَقِيلَ: فِيهِ نَظَرٌ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْمُحْرِمِ، فَإِنَّ الْمُحْرِمَ إذَا لَبِسَ الْمَخِيطَ ثُمَّ نَزَعَهُ ثُمَّ لَبِسَهُ ثَانِيًا إنْ نَزَعَهُ عَلَى قَصْدِ اللُّبْسِ يَتَّحِدُ الْجَزَاءُ، وَإِنْ نَزَعَهُ لَا عَلَى هَذَا الْقَصْدِ يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْرَأَ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

وَضَعَ ثِيَابَهَا مَعَ ثِيَابِهِ فِي ضِفَّةِ النَّهْرِ وَدَخَلَ لِلِاغْتِسَالِ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ وَنَسِيَ الْوَدِيعَةَ أَوْ سُرِقَتْ حِينَ انْغَمَسَ فِي الْمَاءِ يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.

عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَجُلٌ أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِهِ وَدَفَعَهَا ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا بِهِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ وَرَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا فَضَاعَتْ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.

وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا قَضَاهَا غَرِيمُهُ بِأَمْرِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا فَرَدَّهَا عَلَى الْمُودَعِ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

إذَا كَانَ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةٌ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ وَأَنْفَقَ شَيْئًا مِنْهَا فِي حَاجَتِهِ حَتَّى صَارَ ضَامِنًا لِمَا أَنْفَقَ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا لِمَا بَقِيَ، وَإِنْ جَاءَ بِمِثْلِ مَا أَنْفَقَ فَخَلَطَ بِالْبَاقِي صَارَ ضَامِنًا لِلْكُلِّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَجْعَلْ عَلَى مَالِهِ عَلَامَةً حِينَ خَلَطَهُ بِمَالِ الْوَدِيعَةِ أَمَّا إذَا جَعَلَ بِحَيْثُ يَتَأَتَّى التَّمْيِيزُ لَا يَضْمَنُ إلَّا مَا يُنْفِقُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

فَإِنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا لَهَا كُلِّهَا فَبَاعَ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ جَاءَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ فَضَمَّنَهُ إيَّاهَا وَفِي ثَمَنِهِ فَضْلٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَطِيبُ لَهُ حِصَّةُ مَا خَلَطَهُ بِهَا وَيَتَصَدَّقُ بِحِصَّةِ الْبَاقِي مِنْ الْوَدِيعَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ شَيْئًا يُبَاع، فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِهَا، يُنْظَرُ: إنْ اشْتَرَى بِهَا بِعَيْنِهَا وَنَقَدَهَا لَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ أَيْضًا، وَإِنْ اشْتَرَى بِهَا وَنَقَدَ غَيْرَهَا أَوْ اشْتَرَى بِدَرَاهِم مُطْلَقَةٍ ثُمَّ نَقَدَهَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ هُنَا، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَى بِهَا مَأْكُولًا وَنَقَدَهَا لَمْ يَحِلَّ أَنْ يَأْكُلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، وَلَوْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ ثُمَّ نَقَدَ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ حَلَّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

فَإِنْ أَخَذَ بَعْضَهَا عَلَى نِيَّةِ الْإِنْفَاقِ وَلَمْ يُنْفِقْهُ حَتَّى خَلَطَهُ بِالْبَاقِي ثُمَّ هَلَكَ كُلُّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ.

إذَا أَوْدَعَهُ كِيسًا مَشْدُودًا فَحَلَّهُ الْمُسْتَوْدَعُ أَوْ صُنْدُوقًا مُقْفَلًا فَفَتَحَ الْقُفْلَ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى ضَاعَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا أَخْرَجَ الْوَدِيعَةَ لِيُنْفِقَهَا وَالثَّوْبَ لِيَلْبَسَهُ فَهَلَكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلشَّيْخِ أَبِي نَصْرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيِّ.

الْمُودَعُ إذَا خَلَطَ الْوَدِيعَةَ بِمَالِهِ أَوْ بِوَدِيعَةٍ أُخْرَى بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ ضَمِنَ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.

(الْخَلْطُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ) : أَحَدُهَا خَلْطٌ بِطَرِيقِ الْمُجَاوَرَةِ مَعَ تَيْسِيرِ التَّمْيِيزِ كَخَلْطِ الدَّرَاهِمِ الْبِيضِ مَعَ الدَّرَاهِمِ السُّودِ وَخَلْطِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَهَذَا لَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّمْيِيزِ هَلَكَ أَمَانَةً كَمَا هَلَكَ قَبْلَ الْخَلْطِ. وَالثَّانِي خَلْطٌ بِطَرِيقِ الْمُجَاوَرَةِ مَعَ تَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ كَخَلْطِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَبِهَذَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ، هَكَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ. وَالثَّالِثُ خَلْطٌ بِطَرِيقِ الْمُمَازَجَةِ لِلْجِنْسِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ كَخَلْطِ الدُّهْنِ بِالْعَسَلِ، وَبِهَذَا أَيْضًا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِالْإِجْمَاعِ. وَالرَّابِعُ خَلْطٌ بِطَرِيقِ الْمُمَازَجَةِ لِلْجِنْسِ بِالْجِنْسِ كَخَلْطِ دُهْنِ اللَّوْزِ بِدُهْنِ الْجَوْزِ أَوْ لَا بِطَرِيقِ الْمُمَازَجَةِ كَخَلْطِ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَالدَّرَاهِمِ الْبِيضِ بِالدَّرَاهِمِ الْبِيضِ، وَبِهَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِتَعَذُّرِ إيصَالِ عَيْنِ حَقِّهِ إلَيْهِ، وَقَالَ: هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِي الْمَخْلُوطِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مِثْلَهُ، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَبْرَأَ الْخَالِطُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَبْقَى لَهُ عَلَى الْمَخْلُوطِ سَبِيلٌ وَعِنْدَهُمَا بِالْإِبْرَاءِ يَنْقَطِعُ خِيَرَةُ الضَّمَانِ فَتَتَعَيَّنُ الشَّرِكَةُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>