للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِهَا شَرْعًا وَرُكْنِهَا وَشَرَائِطِهَا وَأَنْوَاعِهَا وَحُكْمِهَا) .

أَمَّا تَفْسِيرُهَا شَرْعًا فَهِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ، هَكَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.

وَأَمَّا رُكْنُهَا فَهُوَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُعِيرِ، وَأَمَّا الْقَبُولُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ اسْتِحْسَانًا وَالْإِيجَابُ هُوَ أَنْ يَقُولَ أَعَرْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ أَوْ مَنَحْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ قَالَ هُوَ لَكَ أَوْ مَنَحْتُكَ أَوْ أَطْعَمْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ هَذِهِ الْأَرْضَ لَكَ طُعْمَةً أَوْ أَخْدَمْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ حَمَلْتُكَ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الْهِبَةَ أَوْ دَارِي لَكَ سُكْنَى أَوَدَارِي لَكَ عُمْرِي سُكْنَى، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّهُ إذَا أَضَافَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ إلَى مَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَهُوَ تَمْلِيكٌ لِلْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ، وَإِذَا أَضَافَهُ إلَى مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهِ فَهُوَ تَمْلِيكٌ لِلْعَيْنِ فَيَكُونُ قَرْضًا، هَكَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.

(وَأَمَّا) (شَرَائِطُهَا) فَأَنْوَاعٌ (مِنْهَا) الْعَقْلُ فَلَا تَصِحُّ الْإِعَارَةُ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى تَصِحَّ الْإِعَارَةُ مِنْ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَمِنْهَا الْقَبْضُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعَارُ مِمَّا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِدُونِ اسْتِهْلَاكِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلَا تَصِحُّ إعَارَتُهُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي: وَعَارِيَّةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ قَرْضٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ عَدًّا مِثْلُ الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ، وَكَذَلِكَ الْأَقْطَانُ وَالصُّوفُ وَالْإِبْرَيْسَمِ وَالْمِسْكُ وَالْكَافُورُ وَسَائِرُ مَتَاعِ الْمُعَطِّرِ وَالصَّيَادِلَةِ الَّتِي لَا تَقَعُ الْإِجَارَةُ عَلَى مَنَافِعِهَا قَرْضٌ، وَهَذَا إذَا أَطْلَقَ الْعَارِيَّةَ، فَأَمَّا إذَا بَيَّنَ الْجِهَةَ كَمَا إذَا اسْتَعَارَ الدَّرَاهِمَ أَوْ الدَّنَانِيرَ لِيُعَايِرَ بِهَا مِيزَانًا أَوْ يُزَيِّنَ بِهَا دُكَّانًا أَوْ يَتَجَمَّلَ بِهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْقَلِبُ بِهِ عَيْنُهَا لَا يَكُونُ قَرْضًا بَلْ يَكُونُ عَارِيَّةً تُمْلَكُ بِهَا الْمَنْفَعَةُ الْمُسَمَّاةُ دُونَ غَيْرِهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا عَلَى وَجْهٍ آخَرَ غَيْرَ مَا سَمَّاهُ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.

إذَا اسْتَعَارَ آنِيَةً يَتَجَمَّلُ بِهَا أَوْ سَيْفًا مُحَلَّى أَوْ سِكِّينًا مُحَلَّى أَوْ مِنْطَقَةً مُفَضَّضَةً أَوْ خَاتَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا قَرْضًا، هَكَذَا فِي الْكَافِي.

وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ: أَعَرْتُكَ هَذِهِ الْقَصْعَةَ مِنْ الثَّرِيدِ فَأَخَذَهَا وَأَكَلَهَا عَلَيْهِ مِثْلُهَا أَوْ قِيمَتُهَا وَهُوَ قَرْضٌ إلَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُبَاسَطَةٌ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ دَلَالَةَ الْإِبَاحَة، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.

فِي الْعُيُونِ اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ رُقْعَةً يُرَقِّعُ بِهَا قَمِيصَهُ أَوْ خَشَبَةً يُدْخِلُهَا فِي بِنَائِهِ أَوْ آجُرَّةً فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعَارِيَّةٍ بَلْ هُوَ قَرْضٌ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ: لِأَرُدَّهَا عَلَيْكَ، أَمَّا إذَا قَالَ: لِأَرُدَّهَا عَلَيْكَ فَهُوَ عَارِيَّةٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

(وَأَمَّا) (أَنْوَاعُهَا) (فَأَرْبَعَةٌ) : أَحَدُهَا - أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً فِي الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ وَحُكْمُهُ أَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا بِأَيِّ نَوْعٍ شَاءَ وَأَيِّ وَقْتٍ شَاءَ. وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً فِيهِمَا فَلَا يَتَجَاوَزُ مَا سَمَّاهُمَا الْمُعِيرُ إلَّا إذَا كَانَ خِلَافًا إلَى خَيْرٍ. وَالثَّالِثُ - أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً فِي حَقِّ الْوَقْتِ مُطْلَقَةً فِي الِانْتِفَاعِ. وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ فَلَا يَتَعَدَّى مَا سَمَّاهُ لَهُ الْمُعِيرُ، هَكَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.

(وَأَمَّا) (حُكْمُهَا) فَهُوَ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْتَعِيرِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ مَا هُوَ مُلْحَقٌ بِالْمَنْفَعَةِ عُرْفًا وَعَادَةً عِنْدَنَا، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

وَالْعَارِيَّةُ أَمَانَةٌ إنْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَلَوْ شُرِطَ الضَّمَانُ فِي الْعَارِيَّةِ، هَلْ يَصِحُّ فَالْمَشَايِخُ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ، وَفِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ: أَعِرْنِي فَإِنْ ضَاعَ فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ، قَالَ: لَا يَضْمَنُ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَلَوْ تَعَدَّى ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ، نَحْوُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ مِثْلَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَعْمَلَهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِيمَا لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الدَّوَابُّ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْبَابُ الثَّانِي الْأَلْفَاظ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الْعَارِيَّةُ]

(الْبَابُ الثَّانِي فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الْعَارِيَّةُ وَمَا لَا تَنْعَقِدُ بِهَا الْعَارِيَّةُ) . تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَلَوْ قَالَ: مَلَّكْتُكَ مَنْفَعَةَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا أَوْ لَمْ يَقُلْ شَهْرًا بِغَيْرِ عِوَضٍ كَانَتْ إعَارَةً، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَلَوْ قَالَ: جَعَلْتُ لَكَ سُكْنَى دَارِي هَذِهِ شَهْرًا، أَوْ قَالَ: دَارِي لَكَ سُكْنَى، أَوْ قَالَ: عُمْرِي لَكَ سُكْنَى، كَانَتْ عَارِيَّةً، هَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

وَتَصِحُّ بِقَوْلِ " أَقْرَضْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ تَلْبَسُهُ يَوْمًا أَوْ أَقْرَضْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ تَسْكُنُهَا سَنَةً، هَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

وَلَوْ قَالَ: حَمَلْتُكَ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهُوَ إعَارَةٌ، هَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَلَوْ قَالَ: دَارِي لَكَ هِبَةً سُكْنَى أَوْ سُكْنَى هِبَةً فَهِيَ عَارِيَّةٌ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>