للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْهِبَةُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.

وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي تَقَعُ بِهَا الْهِبَةُ فَأَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: نَوْعٌ تَقَعُ بِهِ الْهِبَةُ وَضْعًا، وَنَوْعٌ تَقَعُ بِهِ الْهِبَةُ كِنَايَةً وَعُرْفًا، وَنَوْعٌ يَحْتَمِلُ الْهِبَةَ وَالْعَارِيَّةَ مُسْتَوِيًا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَكَقَوْلِهِ: وَهَبْتُ هَذَا الشَّيْءَ لَكَ، أَوْ مَلَّكْتُهُ لَكَ، أَوْ جَعَلْتُهُ لَكَ، أَوْ هَذَا لَكَ، أَوْ أَعْطَيْتُكَ، أَوْ نَحَلْتُكَ هَذَا، فَهَذَا كُلُّهُ هِبَةٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَكَقَوْلِهِ: كَسَوْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ، أَوْ أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ فَهُوَ هِبَةٌ، كَذَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لَكَ عُمُرِي، أَوْ عُمُرَكَ، أَوْ حَيَاتِي أَوْ حَيَاتَكَ، فَإِذَا مِتَّ فَهُوَ رَدٌّ عَلَيَّ، جَازَتْ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَكَقَوْلِهِ: هَذِهِ الدَّارُ لَكَ رُقْبَى أَوْ لَكَ حَبْسٌ، وَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَهِيَ عَارِيَّةٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هِيَ هِبَةٌ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

وَلَوْ قَالَ: أَطْعَمْتُكَ هَذَا الطَّعَامَ، فَإِنْ قَالَ: فَاقْبِضْهُ، فَهُوَ هِبَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فَاقْبِضْهُ يَكُونُ هِبَةً أَوْ عَارِيَّةً فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي شُرُوحِهِمْ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَلَوْ قَالَ: حَمَلْتُكَ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ يَكُونُ عَارِيَّةً إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْهِبَةَ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ السُّلْطَانِ هِبَةٌ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِلَفْظٍ يُنْبِئُ عَنْ تَمْلِيكِ الرَّقَبَةِ يَكُونُ هِبَةً، وَإِذَا كَانَ مُنْبِئًا عَنْ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ يَكُونُ عَارِيَّةً، وَإِذَا احْتَمَلَ هَذَا وَذَاكَ يُنَوَّى فِي ذَلِكَ، كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى شَرْحِ النَّافِعِ.

وَلَوْ قَالَ: دَارِي لَكَ هِبَةٌ تَسْكُنُهَا، أَوْ هَذَا الطَّعَامُ لَكَ تَأْكُلُهُ، أَوْ هَذَا الثَّوْبُ لَكَ تَلْبَسُهُ فَهِبَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَحِجُّوا فُلَانًا، وَلَمْ يَقُلْ: عَنِّي، فَإِنَّهُ يُعْطَى قَدْرَ مَا يُحِجُّهُ وَلَهُ أَنْ لَا يَحُجَّ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يُدْفَعَ لِفُلَانٍ أَلْفٌ لِيَحُجَّ أَوْ يُعْطَى بِحَجِّهِ أَلْفًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ، كَذَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ

رَجُلٌ عِنْدَهُ دَرَاهِمُ لِغَيْرِهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ: اصْرِفْهَا فِي حَوَائِجِكَ كَانَ قَرْضًا، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الدَّرَاهِمِ حِنْطَةٌ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْحِنْطَةِ: كُلْهَا، يَكُونُ هِبَةً، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.

لَوْ قَالَ: نَحَلْتُكَ دَارِي، أَوْ أَعْطَيْتُكَ، أَوْ وَهَبْتُ مِنْكَ، كَانَتْ هِبَةً، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.

وَلَوْ قَالَ: جَعَلْتُ لَكَ هَذِهِ الدَّارَ، أَوْ هَذِهِ الدَّارُ لَكَ فَاقْبِضْهَا، فَهُوَ هِبَةٌ، هَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

قَوْلُهُ " هَذِهِ الدَّارُ لَكَ " أَوْ " هَذِهِ الْأَرْضُ لَكَ " هِبَةٌ لَا إقْرَارٌ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.

وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ هِبَةٌ لَكَ وَلِعَقِبِكَ مِنْ بَعْدِكَ فَهُوَ هِبَةٌ، وَذِكْرُ الْعَقِبِ لَغْوٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ مِنْ بَعْدِكَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

رَجُلٌ، قَالَ لِغَيْرِهِ: هَذِهِ الْأَمَةُ لَكَ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَذِهِ هِبَةٌ جَائِزَةٌ يَمْلِكُهَا إذَا قَبَضَهَا، وَلَوْ قَالَ: هِيَ لَكَ حَلَالٌ، لَا تَكُونُ هِبَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ كَلَامٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ، وَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُ لَكَ فَرْجَهَا، فَهِيَ هِبَةٌ يَمْلِكُهَا إذَا قَبَضَ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَفِي هِبَةِ الْأَصْلِ إذَا قَالَ: هِيَ لَكَ فَاقْبِضْهَا فَهِيَ هِبَةٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

عَبْدِي هَذَا لِفُلَانٍ وَلَمْ يَقُلْ وَصِيَّةً، وَلَا كَانَ فِي ذِكْرِهَا وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ مَوْتِي كَانَتْ هِبَةً قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.

وَإِنْ قَالَ: وَهَبْتُ هَذَا الْعَبْدَ لَكَ حَيَاتَكَ وَحَيَاتَهُ فَقَبَضَهُ فَهَذِهِ هِبَةٌ جَائِزَةٌ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، قَالَ لِآخَرَ (اين جيزترا) فَهُوَ هِبَةٌ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبْضُ، وَلَوْ قَالَ: (تراست) فَإِقْرَارٌ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.

رَجُلٌ قَالَ لِخَتَنِهِ (أَيْنَ زُمَيْن ترا) فَاذْهَبْ فَازْرَعْهَا، فَإِنْ قَالَ الْخَتَنُ عِنْدَمَا قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ: قَبِلْتُ، صَارَتْ الْأَرْضُ لَهُ فَيَتِمُّ بِالْقَبُولِ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ الْخَتَنُ ذَلِكَ لَا تَصِيرُ الْأَرْضُ لَهُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

وَذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ إذَا قَالَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ هَذَا الْمَالُ لَكُمْ يَكُونُ هِبَةً، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ: خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاغْزُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَعَلَا، فَهُوَ قَرْضٌ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

وَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُ لَكَ هَذِهِ الْغِرَارَةَ الْحِنْطَةَ، وَهَذَا الزِّقَّ السَّمْنَ دَخَلَ تَحْتَ هَذِهِ الْحِنْطَةُ دُونَ الْغِرَارَةِ وَالسَّمْنُ دُونَ الزِّقِّ، وَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُ لَكَ غِرَارَةَ الْحِنْطَةِ وَزِقَّ السَّمْنِ دَخَلَ تَحْتَهَا الْغِرَارَةُ وَالزِّقُّ دُونَ الْحِنْطَةِ وَالسَّمْنِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

وَلَوْ قَالَ: جَمِيعُ مَالِي أَوْ كُلُّ شَيْءٍ أَمْلِكُهُ لِفُلَانٍ فَهُوَ هِبَةٌ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ.

وَلَوْ قَالَ: جَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ لِفُلَانٍ يَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ هِبَةً حَتَّى لَا تَجُوزَ بِدُونِ الْقَبْضِ، وَلَوْ قَالَ: جَمِيعُ مَا يُعْرَفُ بِي أَوْ يُنْسَبُ إلَيَّ لِفُلَانٍ فَهُوَ إقْرَارٌ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

أَبُو الصَّغِيرِ غَرَسَ شَجَرًا أَوْ كَرْمًا، ثُمَّ قَالَ: جَعَلْتُهُ لِابْنِي، فَهُوَ هِبَةٌ، وَلَوْ قَالَ: جَعَلْتُهُ بِاسْمِ ابْنِي، فَكَذَلِكَ هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>