للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَكَرْنَا لَمْ يَكُنْ عِوَضًا بَلْ كَانَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الرُّجُوعِ

وَالثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ الْعِوَضُ فِي الْعَقْدِ مَمْلُوكًا بِذَلِكَ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ عَوَّضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِبَعْضِ الْمَوْهُوبِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَكُونُ عِوَضًا، وَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ قَدْ تَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ تَغَيُّرًا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فَإِنَّ بَعْضَ الْمَوْهُوبِ يَكُونُ عِوَضًا عَنْ الْبَاقِي هَذَا إذَا وَهَبَ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ شَيْئَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَأَمَّا إذَا وَهَبَ شَيْئَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ فَعَوَّضَ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: يَكُونُ عِوَضًا، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ شَيْئًا وَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَعَوَّضَهُ الصَّدَقَةَ مِنْ الْهِبَةِ كَانَتْ عِوَضًا بِالْإِجْمَاعِ

وَالثَّالِثُ - سَلَامَةُ الْعِوَضِ لِلْوَاهِبِ فَإِنْ لَمْ يُسَلَّمْ بِأَنْ اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَكُنْ عِوَضًا وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ إنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَهْلِكْ وَلَمْ يَزْدَدْ خَيْرًا أَوْ لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فَإِنْ كَانَ قَدْ هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ كَمَا لَوْ هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ قَبْلَ التَّعْوِيضِ، وَكَذَا إذَا ازْدَادَ خَيْرًا لَمْ يَضْمَنْ.

كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْعِوَضِ فَمَا بَقِيَ مِنْهُ فَهُوَ عِوَضٌ عَنْ الْهِبَةِ كُلِّهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ مِنْ الْعِوَضِ وَيَرْجِعُ بِالْهِبَةِ كُلِّهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَمْ يَزِدْ فِي بَدَنِهَا، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. وَأَمَّا سَلَامَةُ الْمُعَوَّضِ وَهُوَ الْمَوْهُوبُ فَشَرَطَ التَّعْوِيضَ حَتَّى لَوْ اسْتَحَقَّ الْمَوْهُوبَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا عَوَّضَ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْمَوْهُوبِ فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي نِصْفِ الْعِوَضِ إنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، سَوَاءٌ زَادَ الْعِوَضُ أَوْ نَقَضَ فِي السَّعْرِ أَوْ زَادَ فِي الْبَدَنِ أَوْ نَقَصَ فِيهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ وَنِصْفَ النُّقْصَانِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

وَإِنْ قَالَ: أَرُدُّ مَا بَقِيَ مِنْ الْهِبَةِ وَأَرْجِعُ فِي الْعِوَضِ كُلِّهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ مُسْتَهْلَكًا ضَمِنَ قَابِضُ الْعِوَضِ بِقَدْرِ مَا وَجَبَ الرُّجُوعُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِهِ مِنْ الْعِوَضِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.

وَإِذَا اسْتَحَقَّ كُلَّ الْهِبَةِ وَالْعِوَضُ مُسْتَهْلَكٌ يَضْمَنُ كُلَّ قِيمَةِ الْعِوَضِ، كَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. هَذَا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ أَوْ الْعِوَضُ شَيْئًا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهُ فَأَمَّا إذَا كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَ أَحَدِهِمَا بَطَلَ الْعِوَضُ إنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحَقَّ، وَكَذَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْتَحَقَّةُ وَإِذَا بَطَلَ الْعِوَضُ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ وَإِذَا بَطَلَتْ الْهِبَةُ يَرْجِعُ فِي الْعِوَضِ هَكَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.

(الثَّانِي) (بَيَانُ مَاهِيَّتِهِ) فَالتَّعْوِيضُ الْمُتَأَخِّرُ عَنْ الْهِبَةِ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا يَصِحُّ بِمَا تَصِحُّ بِهِ الْهِبَةُ وَيَبْطُلُ بِمَا تَبْطُلُ بِهِ الْهِبَةُ لَا يُخَالِفُهَا إلَّا فِي إسْقَاطِ الرُّجُوعِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَثْبُتُ حَقُّ الرُّجُوعِ فِي الْأُولَى وَلَا يَثْبُتُ فِي الثَّانِيَةِ فَأَمَّا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ فِي حُكْمِ هِبَةٍ مُبْتَدَأَةٍ، وَلَوْ وَجَدَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِالْمَوْهُوبِ عَيْبًا فَاحِشًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَيَرْجِعَ فِي الْعِوَضِ، وَكَذَلِكَ الْوَاهِبُ إذَا وَجَدَ بِالْعِوَضِ عَيْبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْعِوَضَ وَيَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ فَإِذَا قَبَضَ الْوَاهِبُ الْعِوَضَ فَلَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ فِيمَا مَلَكَهُ، سَوَاءٌ عَوَّضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ بِأَمْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ.

كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَيُشْتَرَطُ شَرَائِطُ الْهِبَةِ فِي الْعِوَضِ بَعْدَ الْهِبَةِ مِنْ الْقَبْضِ وَالْحِيَازَةِ وَالْإِفْرَازِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ وَلَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

(النَّوْعُ الثَّانِي) الْعِوَضُ الْمَشْرُوطُ فِي عَقَدِ الْهِبَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ شُرِطَ لَهَا شَرَائِطُ الْهِبَةِ فِي الِابْتِدَاءِ حَتَّى لَا يَصِحَّ فِي الْمُشَاعِ الَّذِي يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَلَا يَثْبُتُ بِهَا الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّسْلِيمِ وَبَعْدَ التَّقَابُضِ يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الْبَيْعِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا كَانَ لَهُ وَيَثْبُتُ بِهَا الشُّفْعَةُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ مَا قَبَضَ، وَالصَّدَقَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بَيْعًا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَهَبَ دَارًا مِنْ رَجُلَيْنِ بِشَرْطِ عِوَضِ أَلْفِ دِرْهَمٍ يَنْقَلِبُ بَيْعًا جَائِزًا بَعْدَ التَّقَابُضِ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، وَلَوْ عَوَّضَ عَنْ جَمِيعِ الْهِبَةِ قَلِيلًا كَانَ الْعِوَضُ أَوْ كَثِيرًا فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَلَوْ عَوَّضَ عَنْ بَعْضِ الْهِبَةِ عَنْ مِلْكِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا لَمْ يُعَوِّضْ عَنْهُ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا عَوَّضَ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>