للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْهِبَةُ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ وَبَيْعُ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ كَذَلِكَ وَلَوْ أَجَازُوا الْهِبَةَ بَطَلَ حَقُّهُمْ إلَّا أَنْ يُعْتِقَ الْعَبْدَ وَلَوْ أَوْصَى بِالْعَبْدِ لِرَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ نَقْضُ الْوَصِيَّةِ بَلْ يُبَاعُ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ وَلَوْ فَضَلَ الثَّمَنُ عَنْ الدَّيْنِ فَالْفَضْلُ لِلْمُوصَى لَهُ وَفِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ لَا يَكُونُ الْفَضْلُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

وَسُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ هِبَةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ مِنْ مَالٍ دَفَعَهُ مَوْلَاهُ أَوْ مِنْ كَسْبِهِ، قَالَ: إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ مَوْلَاهُ كُرِهَ ذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ، كَذَا فِي الْحَاوِي لِلْفَتَاوَى.

قَالَ لِمُكَاتَبِهِ: وَهَبْتُ مِنْكَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ، فَقَالَ الْمُكَاتَبُ: لَا أَقْبَلُ، عَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَالْمَالُ دَيْنٌ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.

أَقَرَّ أَنَّهُ وَهَبَ مِنْ فُلَانٍ دَارًا كَانَ هَذَا إقْرَارًا صَحِيحًا فِي الْغِيَاثِيَّةِ، الْإِقْرَارُ بِالْهِبَةِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ هُوَ الْأَصَحُّ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.

وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ خَلَفٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: فَمَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ نَخْلَةً وَهِيَ قَائِمَةٌ لَا يَكُونُ قَابِضَهَا حَتَّى يَقْطَعَهَا وَيُسَلِّمَهَا إلَيْهِ وَفِي الشِّرَاءِ إذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا صَارَ قَابِضًا لَهَا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي حُكْمِ الْهِبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ إلَّا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ بِالْخَمْرِ عَنْ الْهِبَةِ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلِمُ هُوَ الْمُعَوِّضُ لِلْخَمْرِ أَوْ الذِّمِّيُّ وَإِنْ صَارَتْ الْخَمْرُ خَلًّا فِي يَدِ الْقَابِضِ لَمْ تَصِرْ عِوَضًا وَيَرُدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ، وَتَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِيمَا بَيْنَ الذِّمِّيَّيْنِ كَمَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْمُبَايَعَةِ وَلَا يَجُوزُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

وَهَبَ الْمُرْتَدُّ لِلنَّصْرَانِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ لَهُ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ خَمْرًا فَذَلِكَ بَاطِلٌ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

مُسْلِمٌ وَهَبَ لِمُرْتَدٍّ هِبَةً فَعَوَّضَهُ مِنْهَا الْمُرْتَدُّ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ جَازَتْ الْهِبَةُ وَلَمْ يَجُزْ تَعْوِيضُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَعْوِيضُهُ صَحِيحٌ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكُونُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ ثُلُثِهِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ فَإِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ الْوَاهِبُ وَقَدْ عَوَّضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ هِبَتِهِ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ يَرُدُّ هِبَتَهُ إلَى وَرَثَتِهِ وَيَرُدُّ عِوَضَهُ إلَى صَاحِبِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ كَانَ ذَلِكَ دَيْنًا فِي مَالِ الْمُرْتَدِّ، سَوَاءٌ كَانَ الْآخَرُ عَلِمَ بِارْتِدَادِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَإِذَا وَهَبَ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ هِبَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ وَهَبَهَا لَهُ مُسْلِمٌ فَقَبَضَهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَ مُسْتَأْمَنًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ، وَإِنْ سُبِيَ وَأُخِذَتْ الْهِبَةُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَإِنْ حَضَرَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَإِنْ وَقَعَ الْحَرْبِيُّ فِي سَهْمِ رَجُلٍ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ وَصَلَتْ تِلْكَ الْهِبَةُ إلَيْهِ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ الْحَرْبِيُّ هُوَ الْوَاهِبُ فَسُبِيَ وَوَقَعَ فِي سَهْمِ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَ لَا يَسْتَطِيعُ الرُّجُوعَ فِيهَا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

نَصْرَانِيٌّ وَهَبَ لِمُسْلِمٍ شَيْئًا فَعَوَّضَهُ خَمْرًا لَهُ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

(قَالَ) حَرْبِيٌّ وَهَبَ لِحَرْبِيٍّ هِبَةً ثُمَّ أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ أَوْ أَسْلَمَا جَمِيعًا وَخَرَجَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ فَإِنْ كَانَ عَوَّضَهُ مِنْ هِبَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

وَفِي الْيَتِيمَةِ سُئِلَ عُمَرُ النَّسَفِيُّ عَمَّنْ أَمَرَ أَوْلَادَهُ أَنْ يَقْتَسِمُوا أَرْضَهُ الَّتِي فِي نَاحِيَةِ، كَذَا بَيْنَهُمْ وَأَرَادَ بِهِ التَّمْلِيكَ فَاقْتَسَمُوهَا وَتَرَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ، هَلْ يَثْبُتُ لَهُمْ الْمِلْكُ أَوْ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى أَنْ يَقُولَ لَهُمْ الْأَبُ: مَلَّكْتُكُمْ هَذِهِ الْأَرَاضِيَ أَوْ يَقُولَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: مَلَّكْتُك هَذَا النَّصِيبَ الْمُفْرَزَ، فَقَالَ: لَا وَسُئِلَ عَنْهَا الْحَسَنُ، فَقَالَ: لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُمْ بِالْقِسْمَةِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ فِي الْهِبَةِ مِنْ الصَّغِيرِ.

سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ بَاعَتْ كِرْبَاسًا مِنْ زَوْجِهَا وَأَحَالَتْ بِالثَّمَنِ لِابْنِهَا الصَّغِيرِ بِطَرِيقِ الْإِنْعَامِ وَالصِّلَةِ فَمَاتَ الِابْنُ فَلِمَنْ يَكُونُ الثَّمَنُ؟ أَجَابَ يَكُونُ كُلُّهُ لِلْمَرْأَةِ وَلَا يَكُونُ مِيرَاثًا، كَذَا فِي فَتَاوَى أَبِي الْفَتْحِ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ الْحُسَيْنِ الأستروشني.

رَجُلٌ وَابْنُهُ فِي الْمَفَازَةِ وَمَعَهُمَا مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا مَنْ أَحَقُّ بِالْمَاءِ مِنْهُمَا قَالَ الِابْنُ أَحَقُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ كَانَ أَحَقَّ لَكَانَ عَلَى الِابْنِ أَنْ يَسْقِيَ أَبَاهُ، وَإِنْ سَقَى أَبَاهُ مَاتَ هُوَ مِنْ الْعَطَشِ فَيَكُونُ هَذَا مِنْهُ إعَانَةً عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ، وَإِنْ شَرِبَ هُوَ لَمْ يُعِنْ الْأَبَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ فَصَارَ هَذَا كَرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا قَتَلَ نَفْسَهُ وَالْآخَرُ قَتَلَ غَيْرَهُ فَقَاتِلُ نَفْسِهِ أَعْظَمُ إثْمًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>