للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ ذَهَبَ بِهِ إلَى مَكَّةَ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ وَلَوْ انْقَطَعَ أَطْنَابُهُ أَوْ انْكَسَرَ عَمُودُهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ نَصْبَهُ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَمَّا إنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الِانْقِطَاعِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَصْلِ الِانْقِطَاعِ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الِانْقِطَاعِ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ يُحَكَّمُ الْحَالُ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ اتَّخَذَ أَطْنَابًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ أَوْ عَمُودًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَنَصَبَهُ حَتَّى رَجَعَ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ كُلُّهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَلَوْ انْكَسَرَتْ الْأَوْتَادُ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ لِأَنَّ الْأَوْتَادَ تَكُونُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ عَادَةً إلَّا إذَا كَانَتْ حَدِيدًا فَهِيَ كَالْعَمُودِ وَلَوْ أَخْرَجَهَا مَعَ نَفْسِهِ وَلَمْ يَنْصِبْهَا مَعَ الْمَكَانِ يَجِبُ الْأَجْرُ كَذَا فِي الْغِيَاثِيَّةِ.

وَإِذَا أَوْقَدَ نَارًا فِي الْفُسْطَاطِ كَانَ كَالْإِسْرَاجِ إنْ أَوْقَدَ مِثْلَ مَا يُوقِدُ النَّاسُ عُرْفًا وَعَادَةً فِي الْفُسْطَاطِ فَأَفْسَدَ الْفُسْطَاطَ أَوْ احْتَرَقَ الْفُسْطَاطُ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ جَاوَزَ الْمُتَعَارَفَ فَهُوَ ضَامِنٌ فَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ إنْ أَفْسَدَ كُلَّهُ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ ضَمِنَ قِيمَةَ الْكُلِّ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَفْسَدَ بَعْضَهُ لَزِمَهُ ضَمَانُ النُّقْصَانِ وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ كَامِلًا إذَا كَانَ قَدْ انْتَفَعَ بِالْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يَفْسُدْ شَيْءٌ مِنْهُ وَسُلِّمَ وَكَانَ جَاوَزَ الْمُعْتَادَ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَجِبَ الْأَجْرُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ، وَإِنْ شَرَطَ رَبُّ الْفُسْطَاطِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ لَا يُوقِدَ وَلَا يُسْرِجَ فِيهِ فَفَعَلَ فَهُوَ ضَامِنٌ وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ كَامِلًا إذَا سَلَّمَ الْفُسْطَاطَ. كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَإِذَا اسْتَأْجَرَ تُرْكِيَّة بِالْكُوفَةِ كُلَّ شَهْرٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ لِيُوقِدَ فِيهَا وَيَبِيتَ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ احْتَرَقَتْ مِنْ الْوَقُودِ فَإِنْ أَبَاتَ فِيهَا عَبْدَهُ أَوْ ضَيْفَهُ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ تَكَارَى فُسْطَاطًا يُخْرِجُهُ إلَى مَكَّةَ فَخَلَفَهُ بِالْكُوفَةِ حَتَّى رَجَعَ فَهُوَ ضَامِنٌ وَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ بِأَنَّهُ مَا أَخْرَجَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ بِالْكُوفَةِ وَلَمْ يَخْرُجْ وَلَمْ يَدْفَعْ الْفُسْطَاطَ إلَى صَاحِبِهِ فَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ لَوْ خَرَجَ وَدَفَعَ الْفُسْطَاطَ إلَى غُلَامِهِ فَقَالَ ادْفَعْهُ إلَى صَاحِبِهِ فَلَمْ يَدْفَعْ حَتَّى رَجَعَ الْمَوْلَى فَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ وَلَوْ دَفَعَهُ إلَى آخَرَ فَحَمَلَهُ الرَّجُلُ إلَى صَاحِبِ الْفُسْطَاطِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ بَرِيءَ الْمُسْتَأْجِرُ وَالرَّجُلُ مِنْ الضَّمَانِ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ هَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

قَالَ وَلَوْ كَانَ اسْتَأْجَرَ دَفَعَ الْفُسْطَاطَ إلَى رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ لِيَدْفَعَهُ إلَى صَاحِبِ الْفُسْطَاطِ فَدَفَعَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ إلَى صَاحِبِهِ فَقَدْ بَرِئَا جَمِيعًا، وَإِنْ أَبَى صَاحِبُ الْفُسْطَاطِ أَنْ يَقْبَلَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ هَلَكَ الْفُسْطَاطُ عِنْدَ هَذَا الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَهُ إلَى صَاحِبِهِ ذَكَرَ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - صَاحِبَ الْفُسْطَاطِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالُوا وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ دَفَعَ الْفُسْطَاطَ إلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الْمُسْتَأْجِرُ غَاصِبًا بِأَنْ أَمْسَكَ الْفُسْطَاطَ قَدْرَ مَا أَمْسَكَهُ النَّاسُ إلَى أَنْ يَرْتَحِلَ وَيُسَوِّيَ أَسْبَابَهُ إذَا كَانَتْ الْحَالَةُ هَذِهِ لَا ضَمَانَ عَلَى الثَّانِي وَمِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمُودِعَ الثَّانِي لَا يَضْمَنُ إنَّمَا يَضْمَنُ الْمُودِعُ الْأَوَّلُ فَأَمَّا إذَا أَمْسَكَ الْمُسْتَأْجِرُ الْفُسْطَاطَ زِيَادَةً عَلَى مَا يُمْسِكُهُ النَّاسُ حَتَّى يَصِيرَ غَاصِبًا ضَامِنًا لَهُ ثُمَّ دَفَعَ إلَى الثَّانِي يُخَيَّرُ الْمَالِكُ إنْ شَاءَ ضَمِنَ الْأَوَّلُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الثَّانِي فَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ فَالْمُسْتَأْجِرُ لَا يَرْجِعُ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَإِنْ ضَمِنَ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَإِنْ ذَهَبَ بِالْفُسْطَاطِ إلَى مَكَّةَ وَرَجَعَ بِهِ فَقَالَ الْمُؤَجِّرُ لِلْمُسْتَأْجِرِ احْمِلْهُ إلَى مَنْزِلِي فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَكِنَّهُ عَلَى رَبِّ الْمَتَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِالْفُسْطَاطِ وَخَلَفَهُ بِالْكُوفَةِ فَضَمِنَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْأَجْرُ فَالْحُمُولَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلَانِ أَحَدُهُمَا بَصْرِيٌّ وَالْآخَرُ كُوفِيٌّ فُسْطَاطًا مِنْ الْكُوفَةِ إلَى مَكَّةَ ذَاهِبًا وَجَائِيًا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ وَذَهَبَا بِهِ إلَى مَكَّةَ وَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَصْرِيُّ إنِّي أُرِيدُ أَنْ آتِيَ الْبَصْرَةَ وَقَالَ الْكُوفِيُّ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَرْجِعَ إلَى الْكُوفَةِ وَأَرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ يَذْهَبَ بِالْفُسْطَاطِ إلَى حَيْثُ قَصَدَ فَإِنْ ذَهَبَ الْبَصْرِيُّ بِالْفُسْطَاطِ إلَى بَصْرَةَ إنْ ذَهَبَ بِهِ بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ فَالْبَصْرِيُّ ضَامِنٌ لِلْفُسْطَاطِ كُلِّهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْكُوفِيِّ وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا أَجْرُ الرَّجْعَةِ.

وَإِذَا ذَهَبَ بِهِ بِأَمْرِ الْكُوفِيِّ فَالْبَصْرِيُّ ضَامِنٌ لِجَمِيعِ الْفُسْطَاطِ وَالْكُوفِيُّ يَضْمَنُ نَصِيبَهُ وَهُوَ النِّصْفُ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِمَا وَإِذَا ذَهَبَ الْكُوفِيُّ إلَى الْكُوفَةِ فَإِنْ ذَهَبَ بِهِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْبَصْرِيِّ فَإِنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>