للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ بِابْنَةِ مَخَاضٍ جَيِّدَةٍ غَرِمَ الْمُكْرِهُ فَضْلَ قِيمَتِهَا عَلَى قِيمَةِ الْوَسَطِ؛ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ لَهُ فِي إلْزَامِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَقَدْ جَازَتْ الصَّدَقَةُ عَنْ الْمُتَصَدِّقِ فِي مِقْدَارِ الْوَسَطِ فَلَا يَغْرَمُ الْمُكْرَهُ.

وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَالِ الرِّبَا فَيُمْكِنُ تَجْوِيزُ بَعْضِهِ عَنْ كُلِّهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

إذَا أُكْرِهُ الرَّجُلُ عَلَى الزِّنَا بِامْرَأَةٍ فَزَنَى بِهَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوَّلًا يَقُولُ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَيَجِبُ الْمَهْرُ عَلَى الزَّانِي سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُكْرَهَةً عَلَى الزِّنَا أَوْ كَانَتْ طَائِعَةً، وَلَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْوَطْءِ حَصَلَتْ لِلزَّانِي وَكَانَ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ طَعَامِ نَفْسِهِ فَأَكَلَ إنْ كَانَ جَائِعًا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ شَبْعَانَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الطَّعَامِ، وَالْمَرْأَةُ إذَا أُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، وَالرَّجُلُ آثِمٌ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الزِّنَا؛ لِأَنَّ الزِّنَا مِنْ الْمَظَالِمِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً عَلَى الزِّنَا هَلْ تَأْثَمُ.

ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا أَنَّهَا إنْ أُكْرِهَتْ عَلَى أَنْ تُمَكِّنَ مِنْ نَفْسِهَا فَمَكَّنَتْ فَإِنَّهَا تَأْثَمُ، وَإِنْ لَمْ تُمَكِّنْ هِيَ مِنْ الزِّنَا وَزَنَى بِهَا لَا إثْمَ عَلَيْهَا، وَذَكَرَ أَيْضًا فِي الْإِكْرَاهِ إذَا أُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَا فَمَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا فَلَا إثْمَ عَلَيْهَا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ بِوَعِيدِ تَلَفٍ، فَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِوَعِيدِ سِجْنٍ أَوْ قَيْدٍ فَعَلَى الرَّجُلِ الْحَدُّ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا وَلَكِنَّهَا تَأْثَمُ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُكْرَهُ عَنْ الزِّنَا حَتَّى قُتِلَ فَهُوَ مَأْجُورٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَلَوْ قَالَ الْحَرْبِيُّ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ: إنْ دَفَعْتَ إلَيَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ لِأَزْنِيَ بِهَا دَفَعْتُ إلَيْكَ أَلْفَ نَفْسٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ تُخَلِّصُهُمْ عَنْ أَسْرِنَا لَا يَحِلُّ لِهَذَا الْمُسْلِمِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْجَارِيَةَ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.

وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الرِّدَّةِ لَمْ تَبِنْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ، فَإِنْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ: قَدْ بِنْتُ مِنْكَ، وَقَالَ هُوَ: قَدْ أَظْهَرَتْ ذَلِكَ وَقَلْبِي مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْفُرْقَةِ، وَلَوْ قَالَ الَّذِي أَكْرَهَهُ عَلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ: خَطَرَ بِبَالِي فِي قَوْلِي كَفَرْتُ بِاَللَّهِ أَنْ أُخْبِرَ عَنْ أَمْرٍ مَاضٍ كَذِبًا، وَلَمْ أَكُنْ فَعَلْتُ كَذَا فِيمَا مَضَى بَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ حُكْمًا وَلَمْ تَبِنْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ أَقَرَّ بِالْكُفْرِ فِيمَا مَضَى طَائِعًا ثُمَّ قَالَ: عَنَيْتُ بِهِ كَذِبًا لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ قَالَ: خَطَرَ بِبَالِي الْإِخْبَارُ عَمَّا مَضَى وَمَا أَرَدْتُ بِهِ الْخَبَرَ بَلْ أَرَدْتُ بِهِ الْإِنْشَاءَ كَمَا طُلِبَ مِنِّي فَقَدْ أَقَرَّ بِالْكُفْرِ حَقِيقَةً فَتَبِينُ امْرَأَتُهُ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ قَالَ: لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِي شَيْءٌ وَلَكِنِّي كَفَرْتُ بِاَللَّهِ كُفْرًا مُسْتَقْبَلًا وَقَلْبِي مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لَمْ تَبِنْ امْرَأَتُهُ، وَعَلَى هَذَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الصَّلَاةِ لِلصَّلِيبِ أَوْ أَنْ يَسْجُدَ لِلصَّلِيبِ وَسَبِّ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وعلى آله - فَفَعَلَ وَقَالَ: خَطَرَ بِبَالِي الصَّلَاةُ لِلَّهِ وَسَبُّ رَجُلٍ آخَرَ وَنَوَيْتُ ذَلِكَ بَانَتْ مَنْكُوحَتُهُ فِي الْحُكْمِ وَلَمْ تَبِنْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ صَلَّى لِلصَّلِيبِ وَسَبَّ مُحَمَّدًا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وعلى آله - وَقَدْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّلَاةُ لِلَّهِ وَسَبُّ غَيْرِ النَّبِيِّ بَانَتْ امْرَأَتُهُ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَإِنْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ شَيْءٌ وَصَلَّى لِلصَّلِيبِ وَسَبَّ مُحَمَّدًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لَمْ تَبِنْ مَنْكُوحَتُهُ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ غَيْرُهُ، كَذَا فِي الْكَافِي. .

إذَا أَسْلَمَ مُكْرَهًا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى أَسْلَمَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَا يُقْتَلُ، هَكَذَا فِي التَّبْيِينِ.

وَعَلَى هَذَا إذَا قِيلَ لَهُ لَئِنْ صَلَّيْتَ لَأَقْتُلَنَّكَ فَخَافَ ذَهَابَ الْوَقْتِ فَقَامَ وَصَلَّى وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسَعُهُ تَرْكُهَا فَلَمَّا صَلَّى قُتِلَ لَمْ يَكُنْ آثِمًا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَمَسَّكَ بِالْعَزِيمَةِ، وَكَذَلِكَ صَوْمُ رَمَضَانَ لَوْ قِيلَ لَهُ وَهُوَ مُقِيمٌ لَئِنْ لَمْ تُفْطِرْ لَأَقْتُلَنَّكَ فَأَبَى أَنْ يُفْطِرَ حَتَّى قُتِلَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ يَسَعُهُ كَانَ مَأْجُورًا؛ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْعَزِيمَةِ، وَإِنْ أَفْطَرَ وَسِعَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ إنْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ حَتَّى مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ يَسَعُهُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ آثِمًا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَصَامَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَقِيلَ لَهُ لَأَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتُفْطِرَنَّ فَأَبَى أَنْ يُفْطِرَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ آثِمًا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

وَعَنْ ابْنِ شُجَاعٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: لَوْ قَالَ أَهْلُ الْحَرْبِ لِنَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَخَذُوهُ إنْ قُلْتَ لَسْتُ بِنَبِيٍّ تَرَكْنَاكَ، وَإِنْ قُلْتَ أَنَا نَبِيٌّ قَتَلْنَاكَ لَا يَسَعُهُ سِوَى أَنْ يَقُولَ أَنَا نَبِيُّ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَإِنْ قَالُوا لِغَيْرِ نَبِيٍّ إنْ قُلْتَ: لَيْسَ هَذَا بِنَبِيٍّ تَرَكْنَا نَبِيَّكَ، وَإِنْ قُلْتَ: هُوَ نَبِيٌّ قَتَلْنَا نَبِيَّكَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ بِنَبِيٍّ حَتَّى يَدْفَعُ الْقَتْلَ عَنْ النَّبِيِّ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَلَوْ أَنَّ مُحْرِمًا قِيلَ لَهُ: لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتَقْتُلَنَّ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>