للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَقِّ الْقَرَارِ وَالزَّرْعُ كُلُّهُ لِلثَّانِي، وَإِنْ بَذَرَ بَعْدَ مَا خَرَجَ الزَّرْعُ وَصَارَ لَهُ قِيمَةٌ، ثُمَّ أَدْرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ مُخْتَلِطًا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ زَرْعِ رَبِّ الْأَرْضِ نَابِتًا فِي الْأَرْضِ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ يَوْمَ ظَهَرَ اخْتِلَاطُهُ بِزَرْعِ صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -: الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الْفُصُولِ كُلِّهَا عَلَى الشَّرِكَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَدْرَكَ الزَّرْعُ مِنْ غَيْرِ سَقْيٍ أَوْ بِسَقْيِ صَاحِبِ الْبَذْرِ الَّذِي لَا أَرْضَ لَهُ، وَلَوْ أَدْرَكَ الزَّرْعُ بِسَقْيِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَالزَّرْعُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ لِلْآخَرِ قِيمَةُ حَبِّهِ إنْ سَقَاهُ قَبْلَ أَنْ يَفْسُدَ حَبُّهُ، وَإِنْ سَقَاهُ بَعْدَ مَا فَسَدَ لَمْ يَلْزَمْهُ الضَّمَانُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدْ ذَكَرْنَا جِنْسَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْبَابُ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْمَدْفُوعَةِ مُزَارَعَةً]

(الْبَابُ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْمَدْفُوعَةِ مُزَارَعَةً) وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ مُزَارَعَةً سَنَةً لِيَزْرَعَهَا الْمُزَارِعُ بِبَذْرِهِ وَآلَاتِهِ فَلَمَّا زَرَعَهَا الْمُزَارِعُ بَاعَهَا رَبُّ الْأَرْضِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: (الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ بَقْلًا، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ الْبَيْعُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُزَارِعِ سَوَاءٌ بَاعَ الْأَرْضَ مَعَ الزَّرْعِ أَوْ بَاعَ الْأَرْضَ بِدُونِ الزَّرْعِ، فَإِنْ أَجَازَ الْمُزَارِعُ الْبَيْعَ فِي الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ جَمِيعًا نَفَذَ الْبَيْعُ وَانْقَسَمَ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ وَعَلَى قِيمَةِ الزَّرْعِ يَوْمَ الْبَيْعِ، فَمَا أَصَابَ الْأَرْضَ فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَمَا أَصَابَ الزَّرْعَ فَهُوَ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَبَيْنَ الْمُزَارِعِ نِصْفَانِ، هَذَا إذَا أَجَازَ الْمُزَارِعُ الْبَيْعَ فَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمُزَارِعُ الْبَيْعَ فَالْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ تَرَبَّصَ حَتَّى يُدْرِكَ الزَّرْعُ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ، هَذَا إذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَالزَّرْعَ جُمْلَةً، وَإِنْ بَاعَ الْأَرْضَ وَحْدَهَا بِدُونِ الزَّرْعِ فَإِنْ أَجَازَ الْمُزَارِعُ الْبَيْعَ فَالْأَرْضُ لِلْمُشْتَرِي وَالزَّرْعُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُزَارِعِ نِصْفَانِ.

وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمُزَارِعُ الْبَيْعَ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ بَاعَ الْأَرْضَ وَحِصَّتَهُ مِنْ الزَّرْعِ وَأَجَازَ الْمُزَارِعُ الْبَيْعَ أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ وَحِصَّةَ رَبِّ الْأَرْضِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْبَيْعَ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ

وَإِنْ أَرَادَ الْمُزَارِعُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) إذَا بَاعَ رَبُّ الْأَرْضِ بَعْدَ مَا اسْتَحْصَدَ الزَّرْعَ فَإِنْ بَاعَ الْأَرْضَ بِدُونِ الزَّرْعِ جَازَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ، وَإِنْ بَاعَ الْأَرْضَ مَعَ جَمِيعِ الزَّرْعِ نَفَذَ الْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ وَحِصَّةِ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ وَيَتَوَقَّفُ فِي نَصِيبِ الْمُزَارِعِ، فَإِنْ أَجَازَ الْمُزَارِعُ الْبَيْعَ كَانَ لِلْمُزَارِعِ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةُ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ وَالْبَاقِي مِنْ الثَّمَنِ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْبَيْعَ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْمُزَارَعَةِ وَقْتَ الشِّرَاءِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بَاعَ الْأَرْضَ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ فَلَمْ يُجِزْ الْمُزَارِعُ الْبَيْعَ فَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَفْسَخْ الْبَيْعَ حَتَّى اسْتَحْصَدَ الزَّرْعَ نَفَذَ الْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ وَحِصَّةِ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْضَ وَحِصَّةَ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ بِحِصَّتِهِمَا مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَإِنْ كَانَ بَاعَ الْأَرْضَ مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ الزَّرْعِ فَلَمْ يُجِزْ الْمُزَارِعُ الْبَيْعَ، وَلَمْ يَفْسَخْهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى اسْتَحْصَدَ الزَّرْعَ نَفَذَ الْبَيْعُ وَكَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ الْأَرْضَ دُونَ الزَّرْعِ فَلَمْ يُجِزْ الْمُزَارِعُ الْبَيْعَ وَلَمْ يَفْسَخْ الْمُشْتَرِي حَتَّى اسْتَحْصَدَ الزَّرْعَ نَفَذَ الْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا دَفَعَ أَرْضَهُ مُزَارَعَةً ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ الْمُزَارِعُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْنَعَ الْمُزَارِعَ مِنْ الزِّرَاعَةِ فَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُزَارِعُ شَرَعَ فِي الْعَمَلِ وَلَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِ الْمُزَارَعَةِ فَلَا شَيْءَ لِلْمُزَارِعِ حُكْمًا وَدِيَانَةً، وَإِنْ كَانَ عَمِلَ بَعْضَ الْأَعْمَالِ نَحْوَ حَفْرِ الْأَنْهَارِ وَإِصْلَاحِ الْمُسَنَّاةِ فَكَذَلِكَ حُكْمًا، وَلَكِنْ يُفْتَى لِرَبِّ الْأَرْضِ بِأَنْ يُرْضِي الْمُزَارِعَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ بِاعْتِبَارِ مَا عَمِلَ لَهُ فِي أَرْضِهِ دِيَانَةً لَا عَلَى وَجْهِ الشَّرْعِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ الْمُزَارَعَةِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

رَجُلٌ دَفَعَ كَرْمَهُ مُعَامَلَةً فَعَمِلَ الْعَامِلُ فِي الْكَرْمِ عَمَلًا قَلِيلًا ثُمَّ بَاعَ كَرْمَهُ بِرِضَا الْعَامِلِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ شَيْءٌ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>