للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَزْرَعُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ فِي الْجِنْسِ فَرَبُّ الْأَرْضِ نَصَّ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهَا مُزَارَعَةً وَذَلِكَ إجَارَةُ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ، فَإِذَا آجَرَهَا الْوَكِيلُ بِشَيْءٍ لَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ كَانَ مُخَالِفًا فِي جِنْسِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُوَكِّلُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إذَا بَاعَ بِأَلْفِ دِينَارٍ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ هَذِهِ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَاسْتَأْجَرَهَا بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَنَحْوِهِ لَمْ تَجُزْ إلَّا إذَا كَانَ الْبَذْرُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ فَأَخَذَهَا الْوَكِيلُ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ كُرُّ حِنْطَةٍ أَوْ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ جَازَ، وَلَوْ شَرَطَ الْوَكِيلُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ دَرَاهِمَ أَوْ ثِيَابًا لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ الْآمِرُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَأْخُذَهَا لَهُ مُزَارَعَةً بِالثُّلُثِ فَأَخَذَهَا الْوَكِيلُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا الْمُزَارِعُ، وَيَكُونُ لِلْمُزَارِعِ ثُلُثُ الْخَارِجِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ ثُلُثَاهُ لَمْ يَجُزْ هَذَا عَلَى الْمُزَارِعِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي قَالَهُ الْمُزَارِعُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ الثُّلُثَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْخَارِجَ عِوَضًا عَنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ، فَمَا يَصْحَبُهُ حَرْفُ الْبَاءِ يَكُونُ حِصَّتُهُ مِنْ الْخَارِجِ وَقَدْ أَتَى بِضِدِّهِ، وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ وَالثُّلُثَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْمُزَارِعِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَا عَمَلُ الْعَامِلِ وَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْخَارِجَ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فَإِذَا شَرَطَ الثُّلُثَ لَهُ كَانَ مُمْتَثِلًا أَمْرَهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يُؤَجِّرَ أَرْضَهُ سَنَةً بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ فَدَفَعَهَا مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا حِنْطَةً فَزَرَعَهَا كَانَ الْوَكِيلُ مُخَالِفًا، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا مُزَارَعَةً بِالثُّلُثِ فَدَفَعَهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِرَبِّ الْأَرْضِ الثُّلُثُ جَازَ، فَإِنْ قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ: إنَّمَا عَيَّنْتُ لِلْمُزَارِعِ الثُّلُثَ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ حِينَئِذٍ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمُزَارِعِ]

(الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمُزَارِعِ) وَلَوْ كَانَ الْأَكَّارُ تَرَكَ سَقْيَ الْأَرْضِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَتَّى يَبِسَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الزَّرْعِ نَابِتًا وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّقْوِيمِ حِينَ صَارَ الزَّرْعُ بِحَالٍ يَضُرُّهُ تَرْكُ السَّقْيِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّرْعِ قِيمَةٌ حِينَئِذٍ فَإِنَّهُ تُقَوَّمُ الْأَرْضُ مَزْرُوعَةً وَغَيْرَ مَزْرُوعَةٍ فَيَضْمَنُ نِصْفَ فَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.

أَخَّرَ الْأَكَّارُ السَّقْيَ إنْ كَانَ تَأْخِيرًا مُعْتَادًا يَفْعَلُهُ النَّاسُ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.

وَإِذَا تَرَكَ الْأَكَّارُ حِفْظَ الزَّرْعِ حَتَّى أَصَابَتْهُ آفَةٌ مِنْ أَكْلِ الدَّوَابِّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ يَضْمَنُ، وَإِذَا لَمْ يَطْرُدْ الْجَرَادَ حَتَّى أَكَلَ الزَّرْعَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْجَرَادُ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ طَرْدُهُ وَدَفْعُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَرَكَ الْأَكَّارُ الْحِفْظَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَجِبُ الضَّمَانُ وَمَا لَا فَلَا، وَهَذَا إذَا لَمْ يُدْرِكْ الزَّرْعَ فَأَمَّا إذَا أَدْرَكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُزَارِعِ بِتَرْكِ الْحِفْظِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

الذَّارِيُّ: يَضْمَنُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ كَدَسِّهِ لَيْلًا إذَا كَانَ الْحِفْظُ عَلَيْهِ مُتَعَارَفًا، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ أَنَّ الْمُزَارِعَ حَصَدَ الزَّرْعَ وَجَمَعَ وَدَاسَ بِغَيْرِ إذْنِ الدَّافِعِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَحِصَّةُ الدَّافِعِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَتَغَافَلَ عَنْهُ حَتَّى هَلَكَ الزَّرْعُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَضْمَنُ الْهَالِكَ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إذَا أَخَّرَ تَأْخِيرًا لَا يَفْعَلُ النَّاسُ مِثْلَهُ يَضْمَنُ، وَإِذَا أَخَّرَ تَأْخِيرًا يَفْعَلُ النَّاسُ مِثْلَهُ لَا يَضْمَنُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَئِمَّةُ بَلْخٍ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ صِحَّةِ اشْتِرَاطِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ عَلَى الْمُزَارِعِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَكَذَا هَذَا فِي اجْتِنَاءِ الْقُطْنِ إذَا انْفَتَقَ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.

تَرَكَ الْأَكَّارُ إخْرَاجَ الْجَزَرِ وَالْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ إلَى الصَّحْرَاءِ وَكَانَ الشَّرْطُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ ضَمِنَ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.

وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَرْثٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَبَى أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْقِيَهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَسَدَ الزَّرْعُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَأَمَرَهُ الْقَاضِي فَامْتَنَعَ ضَمِنَ إذَا فَسَدَ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ.

وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ إذَا كَانَ بَقَرُ الْمَالِكِ فِي يَدِ الْأَكَّارِ فَبَعَثَ إلَى الرَّاعِي إلَى السَّرْحِ لَا يَضْمَنُ هُوَ وَلَا الرَّاعِي وَالْبَقَرُ الْمُسْتَعَارُ وَالْمُسْتَأْجَرُ عَلَى هَذَا، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَاضْطَرَبَتْ الرِّوَايَاتُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>