للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ، وَإِنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَيْضًا: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ، فَإِنْ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ شَيْئًا وَالْمُدَّعِي لِشَرْطِ النِّصْفِ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْمُزَارِعُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ.

وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُزَارِعِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْبَذْرِ وَهُوَ رَبُّ الْأَرْضِ أَيْضًا، وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْبَذْرِ أَيْضًا، هَذَا إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ الزِّرَاعَةِ فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَيْضًا: أَمَّا إنْ كَانَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ صَاحِبَ الْبَذْرِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْبَذْرِ.

وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ الْمُزَارِعَ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُزَارِعِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إذَا اخْتَلَفَا فِي جَوَازِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ، وَأَمَّا إذَا اتَّفَقَا عَلَى جَوَازِ الْعَقْدِ وَاخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْمَشْرُوطِ قَالَ صَاحِبُ الْبَذْرِ لِلْآخَرِ: شَرَطْتُ لَكَ الثُّلُثَ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَا بَلْ شَرَطْتَ لِي النِّصْفَ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ إنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيُبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُزَارَعِ، مِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ قَالَ: هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلُ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْآخَرِ يُبْدَأُ بِيَمِينِ رَبِّ الْأَرْضِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْبِدَايَةُ بِيَمِينِ الْمُزَارَعِ عَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِذَا تَحَالَفَا فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا إذَا طَلَبَا أَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ، فَإِنْ قَامَتْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ بَعْدَ مَا حَلَفَا إنْ كَانَ الْقَاضِي قَدْ فَسَخَ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا لَا يَلْتَفِتُ إلَى بَيِّنَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَسَخَ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ يَعْنِي قَبْلَ التَّحَالُفِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُزَارِعِ، هَذَا إنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الزِّرَاعَةِ إنْ قَامَتْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ قَامَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ بِبَيِّنَةِ الْمُزَارِعِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ لَا يَتَحَالَفَانِ، هَذَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْأَرْضِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ الْمُزَارِعِ فَالْمُزَارِعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ رَبِّ الْأَرْضِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْأَرْضِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ لَا يَتَحَالَفَانِ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ يَتَحَالَفَانِ وَيُبْدَأُ بِيَمِينِ رَبِّ الْأَرْضِ، قَالُوا مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالَ صَاحِبُ الْبَذْرِ: أَنَا لَا أَنْقُضُ الْمُزَارَعَةَ.

فَأَمَّا إذَا قَالَ: أَنَا أَنْقُضُ الْمُزَارَعَةَ لَا مَعْنَى لِلتَّحَالُفِ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهُمَا فِي شَرْطِ الْأَنْصِبَاءِ فَالْقَوْلُ لِوَرَثَةِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْآخَرِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي صَاحِبِ الْبَذْرِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُزَارِعِ وَوُرَّاثِهِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْآخَرِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْبَذْرِ وَفِي الشَّرْطِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ وَالزَّارِعُ صَاحِبُ الْيَدِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

رَجُلٌ زَرَعَ أَرْضَ غَيْرِهِ فَلَمَّا حَصَدَ الزَّرْعَ قَالَ صَاحِبُ الْأَرْضِ: كُنْتَ أَجِيرِي زَرَعْتَهَا بِبَذْرِي، وَقَالَ الْمُزَارِعُ: كُنْتُ أَكَّارًا وَزَرَعْتُ بِبَذْرِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُزَارِعِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ كَانَ فِي يَدِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ ذِي الْيَدِ.

كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلَيْنِ أَرْضًا وَبَذْرًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَاهَا سَنَتَهُمَا هَذِهِ فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ فَلِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ الثُّلُثُ مِنْهُ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ الثُّلُثَانِ وَلِلْآخَرِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا، لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ أَحَدَهُمَا بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ لِلْعَمَلِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَاسْتَأْجَرَ الْآخَرَ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ جَائِزٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ زَرْعًا كَثِيرًا فَاخْتَلَفَ الْعَامِلَانِ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا صَاحِبُ الثُّلُثِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ، وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ صَاحِبُ الثُّلُثِ أَخَذَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ الثُّلُثَ بِإِقْرَارِهِ وَأَخَذَ الْآخَرُ الثُّلُثَ بِبَيِّنَتِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ اسْتِحْقَاقِهِ ثُلُثَ الْخَارِجِ انْتِفَاءَ الْأَجْرِ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ.

وَلَوْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا صَاحِبُ الْأَجْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>