للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّاةِ أَوْ قِيمَتِهَا فِي الْوَقْتِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ فَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُضَحِّيَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ فَتَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْذُونُ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا، وَمِنْهَا أَنَّهَا تُقْضَى إذَا فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا، ثُمَّ قَضَاؤُهَا قَدْ يَكُونُ بِالتَّصَدُّقِ بِعَيْنِ الشَّاةِ حَيَّةً، وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّصَدُّقِ بِقِيمَةِ الشَّاةِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَوْجَبَ التَّضْحِيَةَ عَلَى نَفْسِهِ بِشَاةٍ بِعَيْنِهَا فَلَمْ يُضَحِّهَا حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ فَيَتَصَدَّقُ بِعَيْنِهَا حَيَّةً سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى شَاةً لِيُضَحِّيَ بِهَا فَلَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ، وَمِنْهَا أَنَّ وُجُوبَهَا نَسَخَ كُلَّ ذَبْحٍ كَانَ قَبْلَهَا مِنْ الْعَقِيقَةِ وَالرَّجَبِيَّةِ وَالْعَتِيرَةِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْبَاب الثَّانِي فِي وُجُوب الْأُضْحِيَّةِ بِالنَّذْرِ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ]

(الْبَابُ الثَّانِي فِي وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ بِالنَّذْرِ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ) . رَجُلٌ اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ وَأَوْجَبَهَا بِلِسَانِهِ، ثُمَّ اشْتَرَى أُخْرَى جَازَ لَهُ بَيْعُ الْأُولَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ شَرًّا مِنْ الْأُولَى وَذَبَحَ الثَّانِيَةَ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْجَبَ الْأُولَى بِلِسَانِهِ فَقَدْ جَعَلَ مِقْدَارَ مَالِيَّةِ الْأُولَى لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْتَفْضِلَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالْفَضْلِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: هَذَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ فَقِيرًا فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِفَضْلِ الْقِيمَةِ، قَالَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ الْجَوَابَ فِيهِمَا عَلَى السَّوَاءِ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالْفَضْلِ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْغَنِيِّ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْمَحَلُّ بِتَعْيِينِهِ فَتَعَيَّنَ هَذَا الْمَحَلُّ بِقَدْرِ الْمَالِيَّةِ لِأَنَّ التَّعْيِينَ يُفِيدُ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا اشْتَرَى الْغَنِيُّ أُضْحِيَّةً فَضَلَّتْ فَاشْتَرَى أُخْرَى، ثُمَّ وَجَدَ الْأُولَى فِي أَيَّامِ النَّحْرِ كَانَ لَهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ، وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَاشْتَرَى شَاةً وَأَوْجَبَهَا ثُمَّ وَجَدَ الْأُولَى قَالُوا: عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِمَا، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ عَشْرَ أُضْحِيَّاتٍ قَالُوا: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا اثْنَتَانِ لِأَنَّ الْأَثَرَ جَاءَ بِالثِّنْتَيْنِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ الْكُلُّ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ، ثُمَّ بَاعَهَا وَاشْتَرَى أُخْرَى فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَهَذَا عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ. (الْأَوَّلُ) : إذَا اشْتَرَى شَاةً يَنْوِي بِهَا الْأُضْحِيَّةَ. (وَالثَّانِي) : أَنْ يَشْتَرِيَ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ، ثُمَّ نَوَى الْأُضْحِيَّةَ. (وَالثَّالِثُ) : أَنْ يَشْتَرِي بِغَيْرِ نِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ، ثُمَّ يُوجِبُ بِلِسَانِهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا فَيَقُولُ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَا عَامَنَا هَذَا، فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَصِيرُ أُضْحِيَّةً مَا لَمْ يُوجِبْهَا بِلِسَانِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّهُ تَصِيرُ أُضْحِيَّةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَمَا لَوْ أَوْجَبَهَا بِلِسَانِهِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.

وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمُنْتَقَى: إذَا اشْتَرَى شَاةً لِيُضَحِّيَ بِهَا وَأَضْمَرَ نِيَّةَ التَّضْحِيَةِ عِنْدَ الشِّرَاءِ تَصِيرُ أُضْحِيَّةً كَمَا نَوَى. فَإِنْ سَافَرَ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ بَاعَهَا وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْأُضْحِيَّةُ بِالْمُسَافَرَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي إذَا اشْتَرَى شَاةً بِغَيْرِ نِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ، ثُمَّ نَوَى الْأُضْحِيَّةَ بَعْدَ الشِّرَاءِ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهَا لَا تَصِيرُ أُضْحِيَّةً حَتَّى لَوْ بَاعَهَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَبِهِ نَأْخُذُ، فَأَمَّا إذَا اشْتَرَى شَاةً، ثُمَّ أَوْجَبَهَا أُضْحِيَّةً بِلِسَانِهِ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ تَصِيرُ أُضْحِيَّةً فِي قَوْلِهِمْ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

ذَبَحَ الْمُشْتَرَاةَ لَهَا بِلَا نِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ جَازَتْ اكْتِفَاءً بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الشِّرَاءِ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.

وَلَوْ بَاعَ الْأُولَى بِعِشْرِينَ فَزَادَتْ الْأُولَى عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَصَارَتْ تُسَاوِي ثَلَاثِينَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - بَيْعُ الْأَوْلَى جَائِزٌ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِحِصَّةِ زِيَادَةٍ حَدَثَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْعُ الْأُولَى بَاطِلٌ فَتُؤْخَذُ الْأُولَى مِنْ الْمُشْتَرِي، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا بِلِسَانِهِ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَضَتْ الْأَيَّامُ تَصَدَّقَ بِهَا، كَذَا فِي الْحَاوِي لِلْفَتَاوَى.

وَلَوْ ضَحَّى بِشَاتَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنْ تَكُونَ الْأُضْحِيَّةُ بِهِمَا، فَإِنَّهُ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّهُ لَا بَأْسَ فِي الْأُضْحِيَّةِ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ هَكَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ. وَفِي النَّوَازِلِ رَجُلٌ ضَحَّى بِشَاتَيْنِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ لَا تَكُونُ الْأُضْحِيَّةُ إلَّا بِوَاحِدَةٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ: تَكُونُ الْأُضْحِيَّةُ بِهِمَا، وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي وَاقِعَاتِهِ، رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا بَأْسَ بِالْأُضْحِيَّةِ بِالشَّاةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>