للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَارَ بِهِ نَفْطَةٌ، أَوْ نَضَّجَهُ الْمَاءُ قُتِلَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ هُوَ أُخْرِجَ مِنْ الْقِدْرِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَقَدْ انْسَلَخَ وَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ، أَوْ مِنْ يَوْمِهِ، أَوْ مَكَثَ أَيَّامًا مَضَيْنَ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ قُتِلَ بِهِ، وَإِنْ تَمَاثَلَ حَتَّى يَجِيءَ، وَيَذْهَبَ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُقْتَلْ، وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَوْ أَلْقَى رَجُلًا فِي مَاءٍ بَارِدٍ فِي يَوْمِ الشِّتَاءِ فَكُزَّ، وَيَبِسَ سَاعَةَ أَلْقَاهُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَّدَهُ، فَجَعَلَهُ فِي سَطْحٍ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْبَرْدِ، وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى مَاتَ مِنْ الْبَرْدِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَمَطَهُ، وَجَعَلَهُ فِي الثَّلْجِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَمَطَ رَجُلًا، أَوْ صَبِيًّا ثُمَّ وَضَعَهُ فِي الشَّمْسِ فَلَمْ يَتَخَلَّصْ حَتَّى مَاتَ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَإِذَا أَلْقَاهُ مِنْ سَطْحٍ، أَوْ جَبَلٍ، أَوْ أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا خَطَأُ الْعَمْدِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا إنْ كَانَ مَوْضِعًا تُرْجَى مِنْهُ النَّجَاةُ غَالِبًا فَهُوَ خَطَأُ الْعَمْدِ، وَإِنْ كَانَ لَا تُرْجَى مِنْهُ النَّجَاةُ، فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِهِ عِنْدَهُمَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَإِذَا سَقَى رَجُلًا سُمًّا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَوْجَرَهُ إيجَارًا عَلَى كُرْهٍ مِنْهُ، أَوْ نَاوَلَهُ ثُمَّ أَكْرَهَهُ عَلَى شُرْبِهِ حَتَّى شَرِبَ، أَوْ نَاوَلَهُ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَوْجَرَهُ، أَوْ نَاوَلَهُ وَأَكْرَهَهُ عَلَى شُرْبِهِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ، وَإِذَا نَاوَلَهُ فَشَرِبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ، وَلَا دِيَةٌ سَوَاءٌ عَلِمَ الشَّارِبُ بِكَوْنِهِ سُمًّا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَيَرِثُ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِآخَرَ: كُلْ هَذَا الطَّعَامَ فَإِنَّهُ طَيِّبٌ فَأَكَلَهُ، فَإِذَا هُوَ مَسْمُومٌ فَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ رَجُلًا، فَقَيَّدَهُ وَحَبَسَهُ فِي بَيْتٍ حَتَّى مَاتَ جُوعًا فَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أُوجِعُهُ عُقُوبَةً، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَفَنَهُ فِي قَبْرٍ حَيًّا فَمَاتَ يُقْتَلُ بِهِ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

رَجُلٌ أَدْخَلَ نَائِمًا، أَوْ صَبِيًّا، أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ فَسَقَطَ عَلَيْهِ الْبَيْتُ ضَمِنَ فِي الصَّبِيِّ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ دُونَ النَّائِمِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.

وَفِي جِنَايَاتِ الْمُنْتَقَى قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلٍ قَمَّطَ رَجُلًا فَطَرَحَهُ قُدَّامَ سَبُعٍ فَقَتَلَهُ السَّبُعُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ قَوَدٌ، وَلَا دِيَةٌ لَكِنَّهُ يُعَزَّرُ وَيُضْرَبُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَأَمَّا أَنَا فَأَرَى أَنْ يُحْبَسَ أَبَدًا حَتَّى يَمُوتَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ.

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَدْخَلَ رَجُلًا فِي بَيْتٍ، وَأَدْخَلَ مَعَهُ سَبُعًا، وَأَغْلَقَ عَلَيْهِمَا الْبَابَ فَأَخَذَ الرَّجُلَ السَّبُعُ فَقَتَلَهُ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ، أَوْ لَسَعَتْهُ عَقْرَبٌ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ أَدْخَلَ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ مَعَهُ، أَوْ كَانَتَا فِي الْبَيْتِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِصَبِيٍّ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.

إذَا شَقَّ - رَجُلٌ بَطْنَ رَجُلٍ، وَأَخْرَجَ أَمْعَاءَهُ ثُمَّ ضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ فَالْقَاتِلُ هُوَ الَّذِي ضَرَبَ الْعُنُقَ، وَيُقْتَصُّ إنْ كَانَ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ، وَعَلَى الَّذِي شَقَّ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ الشَّقُّ نَفَذَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ فَثُلُثَا الدِّيَةِ هَذَا إذَا كَانَ مِمَّا يَعِيشُ بَعْدَ شَقِّ الْبَطْنِ يَوْمًا، أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعِيشُ، وَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ الْحَيَاةُ مَعَهُ، وَلَا يَبْقَى مَعَهُ إلَّا اضْطِرَابُ الْمَوْتِ فَالْقَاتِلُ هُوَ الَّذِي شَقَّ الْبَطْنَ وَيُقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ، وَاَلَّذِي ضَرَبَ الْعِلَاوَةَ يُعَزَّرُ، وَكَذَا لَوْ جُرِحَ رَجُلٌ جِرَاحَةً مُثْخِنَةً لَا يُتَوَهَّمُ الْعَيْشُ مَعَهَا، وَجَرَحَهُ آخَرُ جِرَاحَةً أُخْرَى فَالْقَاتِلُ هُوَ الَّذِي جَرَحَ الْجِرَاحَةَ الْمُثْخِنَةَ هَذَا إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَتَانِ عَلَى التَّعَاقُبِ، فَإِنْ كَانَتَا مَعًا فَكِلَاهُمَا قَاتِلَانِ، وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ عَشْرَ جِرَاحَاتٍ، وَالْآخَرُ جَرَحَهُ جِرَاحَةً وَاحِدَةً فَكِلَاهُمَا قَاتِلَانِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.

وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا قَطَعَ عُنُقَ الرَّجُلِ وَبَقِيَ شَيْءٌ قَلِيلٌ مِنْ الْحُلْقُومِ، وَفِيهِ الرُّوحُ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَيِّتٌ فَلَوْ مَاتَ ابْنُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَرِثَهُ ابْنُهُ، وَلَمْ يَرِثْ هُوَ مِنْ ابْنِهِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

فِي الْمُنْتَقَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلٍ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا ثُمَّ إنَّ الْمَقْطُوعَةَ يَدُهُ قَتَلَ ابْنَ الْقَاطِعِ عَمْدًا ثُمَّ مَاتَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ مِنْ الْقَطْعِ فَعَلَى الْقَاطِعِ الْقِصَاصُ لِوَلِيِّ الْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ، وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَذَكَرَ فِيهَا الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ، فَقَالَ: الْقِيَاسُ أَنَّ عَلَى الْقَاطِعِ الْقِصَاصَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا قِصَاصَ

<<  <  ج: ص:  >  >>