للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَشْرُوعٍ فَبَطَلَتْ وَيُكَفَّنُ كَفْنَ مِثْلِهِ وَيُدْفَنُ كَمَا يُدْفَنُ سَائِرُ النَّاسِ.

وَإِذَا أَوْصَى بِأَنْ يُطَيَّنَ قَبْرُهُ أَوْ يُوضَعَ عَلَى قَبْرِهِ قُبَّةٌ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ إلَى التَّطْيِينِ لِخَوْفِ سَبُعٍ أَوْ نَحْوِهِ.

سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ دَفَعَ إلَى بِنْتِهِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا فِي مَرَضِهِ، وَقَالَ: إنْ مِتُّ أَنَا فَاعْمُرِي قَبْرِي وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ لَكَ وَاشْتَرِي بِالْبَاقِي حِنْطَةً وَتَصَدَّقِي بِهَا؟ قَالَ: الْخَمْسَةُ لَهَا لَا تَجُوزُ وَيُنْظَرُ إلَى الْقَبْرِ الَّذِي أَمَرَ بِعِمَارَتِهِ فَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى الْعِمَارَةِ لِلتَّحْصِينِ لَا لِلزِّينَةِ عَمَّرَتْ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَالْبَاقِي تَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَإِنْ كَانَ أَمَرَ بِعِمَارَةٍ فُضِّلَتْ عَلَى الْحَاجَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا فَوَصِيَّتُهُ بَاطِلَةٌ.

وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يُدْفَعَ إلَى إنْسَانٍ كَذَا مِنْ مَالِهِ لِيَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى قَبْرِهِ فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَقِيلَ: إذَا كَانَ الْقَارِئُ مُعَيَّنًا يَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ الْوَصِيَّةُ لَهُ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ دُونَ الْأَجْرِ وَقِيلَ: لَا تَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الْقَارِئُ مُعَيَّنًا، وَهَكَذَا قَالَ أَبُو نَصْرٍ. وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ أَوْصَى أَنْ يُحْفَرَ عَشَرَةُ قُبُورٍ؟ قَالَ: إنْ عَيَّنَ مَقْبَرَةً لِيُدْفَنَ فِيهَا الْمَوْتَى فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْحَفْرِ لِدَفْنِ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَالْفُقَرَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ مَوْضِعًا فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُحْفَرَ مِائَةُ قَبْرٍ اُسْتُحْسِنَ ذَلِكَ فِي مَحَلَّتِهِ وَيَكُونُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ. وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا اخْتَارُوا لِلْفَتْوَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمَقْبَرَةَ لَا يَجُوزُ، وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يَدْفِنَ كُتُبَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُدْفَنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا شَيْءٌ لَا يَفْهَمُهُ أَحَدٌ أَوْ يَكُونَ فِيهَا فَسَادٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُدْفَنَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ جَازَ ذَلِكَ وَيُنْفَقُ عَلَى عِمَارَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَفِي سِرَاجِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، قَالُوا: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ وَقْفِ الْمَسْجِدِ عَلَى قَنَادِيلِهِ وَسِرَاجِهِ وَأَنْ يَشْتَرِيَ الزَّيْتَ وَالنَّفْطَ لِلْقَنَادِيلِ فِي رَمَضَانَ، وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ يَخْدُمُ الْمَسْجِدَ وَيُؤَذِّنَ فِيهِ جَازَ وَيَكُونُ كَسْبُهُ لِوَارِثِ الْمُوصِي، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُغْزَى عَنْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يُعْطِي نَفَقَةَ الْغَزْوِ رَجُلًا يُنْفِقُهَا عَلَى نَفْسِهِ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ وَحَالِ مَقَامِهِ فِي الْغَزْوِ وَلَا يُنْفِقُ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى أَهْلِهِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ رَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْوَرَثَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْزَى عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِ الْمُوصِي وَهِيَ كَالْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَغْزُو عَنْهُ غَنِيًّا جَازَ وَيَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَغْزُوَ عَنْهُ وَكَذَلِكَ لِابْنِ الْمُوصِي.

وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُوصِيَ لِفُقَرَاءِ النَّصَارَى؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِفُقَرَائِهِمْ لَيْسَتْ بِمَعْصِيَةٍ، بِخِلَافِ بِنَاءِ الْبَيْعَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَعْصِيَةً وَمَنْ أَعَانَ عَلَى بِنَائِهَا يَكُونُ آثِمًا.

وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُنْفَقَ ثُلُثُهُ عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ وَيُصْرَفُ عَلَى عِمَارَتِهِ وَسِرَاجِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِسِرَاجِ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى يَقُولَ: بِسُرُجٍ فِيهِ.

وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ عَبْدُهُ وَلَمْ يُسَمِّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: وَتَصَدَّقُوا بِثَمَنِهِ، أَوْ يَقُولَ: بِيعُوهُ نَسَمَةً وَيَحُطُّ إلَى الثُّلُثِ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا لَوْ قَالَ: بِيعُوا جَارِيَتِي مِمَّنْ يَتَّخِذُهَا أُمَّ وَلَدٍ أَوْ يُدَبِّرُهَا رَجُلٌ. قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ لِقَوْمٍ كَانُوا عِنْدَهُ: اُنْظُرُوا، كُلُّ مَا يَجُوزُ لِي أَنْ أُوصِيَ بِهِ فَأَعْطُوهُ الْفُقَرَاءَ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: تَجُوزُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ وَهُوَ عَلَى الثُّلُثِ. وَلَوْ قَالَ: مَا يَجُوزُ لِي أَنْ أُوصِيَ بِهِ جَازَ وَهُوَ إلَى الْوَرَثَةِ أَيُّ شَيْءٍ أَعْطَوْهُ جَازَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: كُلُّ مَا يَجُوزُ لِي فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ عَلَى الثُّلُثِ.

وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِرَجُلٍ وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَمَاتَ الْمُوصِي فَقَالَ غَرِيمُ الْعَبْدِ: لَا أُجِيزُ الْوَصِيَّةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَيَكُونُ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ.

رَجُلٌ أَوْصَى بِأَرْضٍ فِيهَا زَرْعٌ بِدُونِ الزَّرْعِ جَازَ وَيُتْرَكُ الزَّرْعُ فِيهَا بِأَجْرِ مِثْلِهَا حَتَّى يُحْصَدَ الزَّرْعُ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا قَالَ: أَوْصَيْتُ بِفَرَسِي يُغْزَى بِهِ عَنِّي فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَيُغْزَى عَنْهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ فَإِذَا رَجَعَ الْغَازِي رَدَّ الْفَرَسَ عَلَى الْوَرَثَةِ فَيَدْفَعُونَهُ أَبَدًا يُغْزَى عَنْهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَلَوْ قَالَ: فَرَسِي وَسِلَاحِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهَذَا عَلَى التَّمْلِيكِ يُمَلَّكُ رَجُلًا وَاحِدًا فَقِيرًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي فِي غَزْوٍ أَوْ قَالَ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ قَالَ: فِي السَّبِيلِ فَهَذَا عَلَى تَمْلِيكِ الْفُقَرَاءِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعْطُوا مَنْ يَغْزُو، رَجُلٌ جَعَلَ فَرَسَهُ فِي الْغَزْوِ، وَقَالَ: يُعْطَى فَقِيرًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا مَلَكَهُ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ فَإِنْ قَالَ: جَعَلْته حَبْسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى؛ قَالَ: يُحْبَسُ فِي الرِّبَاطِ يَغْزُو عَلَيْهِ فَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ يُؤَاجِرَهُ الْإِمَامُ بِقَدْرِ عَلَفِهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْجِرْهُ أَحَدٌ بَاعَهُ الْإِمَامُ وَوَقَفَ ثَمَنَهُ حَتَّى إذَا احْتَاجُوا إلَى ظَهْرٍ اشْتَرَى بِثَمَنِهِ فَرَسًا يُغْزَى عَلَيْهِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>