للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى، وَعِنْدِي أَنَّ الدَّعْوَى مِنْ الْوَكِيلِ عَلَى وَقْفِيَّةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا تَصِحُّ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى خَالِيَةً عَمَّا ذَكَرُوا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِهَذِهِ الدَّعْوَى يُثْبِتُ شَرْطَ حَقِّهِ بِإِثْبَاتِ فِعْلٍ عَلَى الْغَائِبِ وَفِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَائِبِ عَمَّا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ وَالْإِنْسَانُ لَا يَصْلُحُ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ شَرْطِ حَقِّهِ بِإِثْبَاتِ فِعْلٍ عَلَى الْغَائِبِ إذَا كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ، أَلَا يَرَى أَنَّ مَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِطَلَاقِ فُلَانٍ امْرَأَتَهُ فَأَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا قَدْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَالْقَاضِي لَا يَسْمَعُ دَعْوَى الْعَبْدِ، وَلَا يَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ، وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا، هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي طَلَاقِ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ، وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِسَمَاعِ هَذِهِ الدَّعْوَى وَقَبُولِ بَيِّنَتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.

[مَحْضَر فِيهِ دعوى ثَمَن أَشْيَاء أَرْسَلَ الْمُدَّعِي إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيَبِيعَهَا]

(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى ثَمَنِ أَشْيَاءَ أَرْسَلَ الْمُدَّعِي إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيَبِيعَهَا) وَصُورَتُهُ حَضَرَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ وَأَحْضَرَ مَعَهُ فُلَانًا وَادَّعَى هَذَا الْحَاضِرُ عَلَى هَذَا الْمُحْضَرِ مَعَهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي حَضَرَ أَرْسَلَ إلَى هَذَا الْمُحْضَرِ مَعَهُ بِيَدِ أَمِينٍ لَهُ فُلَانٍ كَذَا عَدَدًا مِنْ الْكِرْبَاسِ الزَّنْدَبِيجِيِّ الْبُخَارِيِّ الْمَسْمُوحِ، طُولُ كُلِّ وَاحِدٍ كَذَا وَعَرْضُهُ كَذَا لِيَبِيعَ مِمَّنْ يَرْغَبُ فِي شِرَائِهِ بِمَا يَقُومُ أَهْلُ الْبَصَرِ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ فُلَانًا الْأَمِينَ أَوْصَلَ هَذِهِ الْكَرَابِيسَ إلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ، وَأَنَّ هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ قَبَضَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْأَمِينِ وَبَاعَ مِمَّنْ اشْتَرَى بِتَقْوِيمِ أَهْلِ الْبَصَرِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ، وَذَلِكَ كَذَا فَوَاجِبٌ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ فِيهِ إلَى هَذَا الْمُدَّعِي إنْ كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهُ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَدَاءُ مِثْلِ تِلْكَ الدَّنَانِيرِ الْمَقْبُوضَةِ إلَى الْمُدَّعِي وَسَأَلَ مَسْأَلَتَهُ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلَ فَأَجَابَ الَّذِي أَحْضَرَهُ بِالْإِنْكَارِ فَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي شُهُودًا فَاسْتُفْتُوا عَنْ صِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى قِيلَ هَذِهِ الدَّعْوَى غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ وَفِيهَا خَلَلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَسْلِيمَ ثَمَنِ الْكَرَابِيسِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى.

وَذَكَرَ فِي الدَّعْوَى أَنَّهُ بَاعَ الْكَرَابِيسَ الْمَذْكُورَةَ فِيهِ بِكَذَا وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَطَالَبَهُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ بَاعَ الْكَرَابِيسَ الْمَذْكُورَةَ فِيهِ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ هَلَكَتْ الْكَرَابِيسُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الثَّمَنُ لَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْكَرَابِيسِ بَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَيَكُونُ الثَّمَنُ لِمُشْتَرِي الْكَرَابِيسِ فَإِنَّمَا يَكُونُ الثَّمَنُ لِصَاحِبِ الْكَرَابِيسِ إذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ الْكَرَابِيسَ إلَى الْمُشْتَرِي فَمَا لَمْ يَذْكُرْ التَّسْلِيمَ لَا تَكُونُ دَعْوَى الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ صَحِيحَةً. (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ قَالَ: فَوَاجِبٌ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ إلَى هَذَا الْمُدَّعِي، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فِي مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَةَ الْوُجُوبِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَوُجُودِ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي فَالثَّمَنُ يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا فِي الْبَيْعِ وَفِي الْأَمَانَاتِ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَمِينِ تَسْلِيمُهَا إلَى صَاحِبِهَا إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّخْلِيَةُ لَا غَيْرُ فَمُطَالَبَتُهُ بِالتَّسْلِيمِ لَا تَكُونُ مُسْتَقِيمَةً. وَالثَّانِي - أَنَّ الثَّمَنَ لَوْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْأَمِينِ كَانَ مُتَعَيَّنًا وَفِيمَا يَتَعَيَّنُ مِنْ الْمَنْقُولِ إنَّمَا تَسْتَقِيمُ الْمُطَالَبَةُ بِالْإِحْضَارِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ لِيَتَمَكَّنَ الْمُدَّعِي مِنْ الدَّعْوَى وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِحَضْرَتِهِ، وَلَا تَسْتَقِيمُ الدَّعْوَى وَالْمُطَالَبَةُ بِالتَّسْلِيمِ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - قَالُوا: الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْخَلَلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، قَوْلُهُ لَوْ صَحَّ الْبَيْعُ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ وَقَبْضُ الثَّمَنِ كَانَ الثَّمَنُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْوَكِيلِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْأَمِينِ تَسْلِيمُ الْأَمَانَةِ، قُلْنَا: الْأَمِينُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْأَمَانَةِ بِحَقِيقَتِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَجَازِهِ، وَهُوَ التَّخْلِيَةُ فَيُحْمَلُ دَعْوَى التَّسْلِيمِ عَلَى دَعْوَى التَّخْلِيَةِ تَصْحِيحًا، وَقَوْلُهُ: إنَّ الثَّمَنَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ لَوْ كَانَ قَائِمًا كَانَ مُتَعَيِّنًا فَيَجِبُ الْإِحْضَارُ لِلْإِشَارَةِ، وَلَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ قُلْنَا الْإِحْضَارُ، وَلَا يُفِيدُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْإِحْضَارَ لِلْإِشَارَةِ، وَلَا يُمْكِنُ لِلشُّهُودِ الْإِشَارَةُ إلَى الدَّرَاهِمِ الَّتِي هِيَ أَثْمَانٌ، وَقَدْ مَرَّ جِنْسُ هَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>