للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ لِوَلَدِهِ لِصُلْبِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ، فَأَمَّا عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ يَجُوزُ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَكُونُ وَارِثًا حَالَ حَيَاةِ أَبِيهِ وَلَكِنْ يَكْتُبُ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ فَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى جَوَازَ الْوَقْفِ عَلَى وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ مِنْ غَيْرِ الْإِضَافَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَمِنْ غَيْرِ الْوَصِيَّةِ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا وَلَدُهُ لِصُلْبِهِ يَسْتَحِقُّ الْغَلَّةَ حَالَ حَيَاةِ الْوَاقِفِ وَلَا يَكُونُ الِاسْتِحْقَاقُ حَالَ حَيَاتِهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ.

ثُمَّ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْوَاقِفِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ بِأَنْ يَكُونَ مُوصًى بِهِ بَعْدَهُ فَيَصِيرُ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ فَلَا صِحَّةَ لِهَذَا الْوَقْفِ عَلَى وَلَدِهِ عِنْدَهُ أَصْلًا فَيُلْحِقُ بِآخِرِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ، ثُمَّ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ فِي حَيَاتِهِ لَا يُعْطِي وَلَدَ الْوَلَدِ جَمِيعَ الْغَلَّةِ مَا دَامَ وَلَدُ الصُّلْبِ حَيًّا؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ مَا جَعَلَ كُلَّ الْغَلَّةِ لِوَلَدِ الْوَلَدِ الصُّلْبِ حَيًّا وَلَكِنْ تُقَسَّمُ الْغَلَّةُ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ وَلَدِ الصُّلْبِ وَعَلَى عَدَدِ رُءُوسِ وَلَدِ الْوَلَدِ فَمَا أَصَابَ وَلَدَ الْوَلَدِ فَهُوَ لَهُمْ وَقْفٌ وَمَا أَصَابَ وَلَدَ الصُّلْبِ فَهُوَ لَهُمْ مِيرَاثٌ حَتَّى يُشَارِكَهُمْ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضُ الْوَرَثَةِ دُونَ الْبَعْضِ، فَإِنْ مَاتَ وَلَدُ الصُّلْبِ فَالْغَلَّةُ كُلُّهَا تَكُونُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ بِحُكْمِ الْوَقْفِ.

ذَكَرَ هِلَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَقَالُوا هَذَا الْجَوَابُ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْإِخْلَاءَ عَنْ الْوَقْفِ فِي زَمَانٍ حَتَّى قَالَ: إنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَنَّ الْوَقْفَ جَائِزٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُجَوِّزُ الْإِخْلَاءَ عَنْ الْوَقْفِ فِي زَمَانٍ حَتَّى قَالَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ: إنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا يَجُوزُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ جَمِيعُ الْغَلَّةِ بَعْدَ مَوْتِ وَلَدِ الصُّلْبِ وَقْفًا عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ مَا يُصِيبُ وَلَدَ الصُّلْبِ حَالَ حَيَاتِهِ لَيْسَ بِوَقْفٍ وَإِنَّمَا يَصِيرُ وَقْفًا بَعْدَ وَفَاتِهِ لِوَلَدِ الْوَلَدِ فَقَدْ خَلَا زَمَانٌ عَنْ الْوَقْفِ.

وَأَمَّا إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ حَالَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى وَلَدِهِ وَإِنَّهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ لَغْوٌ مِنْ الْكَلَامِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا صِحَّةَ لِلْوَقْفِ حَالَ الْحَيَاةِ فَخَرَجَ قَوْلُهُمْ حَالَ حَيَاتِهِ مِنْ الْبَيِّنِ وَبَقِيَ قَوْلُهُ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ فَيَكُونُ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ.

وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بَعْضُهُمْ قَالُوا: لَا يَجُوزُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ. وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَغْوٌ مِنْ الْكَلَامِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا مَا هُوَ ثَابِتٌ بِمُطْلَقِ الْوَقْفِ بَيَانُهُ أَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَهُمَا وَقَعَ صَحِيحًا لَازِمًا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْوَاقِفِ عَلَى مَا مَرَّ قَبْلَ هَذَا، وَكَانَ قَوْلُهُ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ لِتَأْكِيدِ مَا ثَبَتَ بِمُطْلَقِ الْوَقْفِ فَلَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْوَقْفِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[وَقَفَ الرَّجُل نصف دَارِهِ شَائِعًا أَوْ نِصْفَ أَرْضِهِ شَائِعًا]

(نَوْعٌ آخَرُ إذَا وَقَفَ نِصْفَ دَارِهِ شَائِعًا أَوْ نِصْفَ أَرْضِهِ شَائِعًا) فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ فَيُلْحِقُ بِآخِرِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ، فَإِذَا وَقَفَ أَرْضَهُ وَشَرَطَ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ أَوْ شَرَطَ الْبَعْضَ لِنَفْسِهِ مَا دَامَ حَيًّا وَبَعْدَهُ لِلْفُقَرَاءِ فَالْوَقْفُ بَاطِلٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْوَقْفُ صَحِيحٌ ذَكَرَ الْخِلَافَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْغَلَّةِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ فَيَكْتُبُ وَلِهَذَا الْوَاقِفِ أَنْ يَصْرِفَ غَلَّاتِ هَذَا الْوَقْفِ إلَى نَفْسِهِ مَا عَاشَ وَيُلْحِقُ بِآخِرِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّي فِي هَذَا الْوَقْفِ مَا عَاشَ يَكْتُبُ وَلِهَذَا الْوَاقِفِ أَنْ يَتَوَلَّى هَذِهِ الصَّدَقَةَ مُدَّةَ مَا عَاشَ وَيَصْرِفَ غَلَّاتِهَا وَمَنَافِعَهَا فِي سَبِيلِ الْخَيْرِ وَوُجُوهِ الْبِرِّ فِيمَا أَحَبَّ فَذَلِكَ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ كَيْفَ شَاءَ وَكُلَّمَا شَاءَ وَهِيَ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>