للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي بَيَانِ جَوَازِ الْحِيَلِ وَعَدَمِ جَوَازِهَا فَنَقُولُ: مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ كُلَّ حِيلَةٍ يَحْتَالُ بِهَا الرَّجُلُ لِإِبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ أَوْ لِإِدْخَالِ شُبْهَةٍ فِيهِ أَوْ لِتَمْوِيهِ بَاطِلٍ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ وَكُلُّ حِيلَةٍ يَحْتَالُ بِهَا الرَّجُلُ لِيَتَخَلَّصَ بِهَا عَنْ حَرَامٍ أَوْ لِيَتَوَصَّلَ بِهَا إلَى حَلَالٍ فَهِيَ حَسَنَةٌ، وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْحِيَلِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤] وَهَذَا تَعْلِيمُ الْمَخْرَجِ لِأَيُّوبَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ يَمِينِهِ الَّتِي حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ امْرَأَتَهُ مِائَةَ عُودٍ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ حُكْمَهَا لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَسَائِلِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ]

ِ خَنْدَقٌ لَهُ طُولٌ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ وَفِيهِ مَاءٌ إلَّا أَنَّ عَرْضَهُ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ فَعَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ فِيهِ، وَالْحِيلَةُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنْ يَحْفِرَ حَفِيرَةً قَرِيبَةً مِنْ الْخَنْدَقِ، ثُمَّ يَحْفِرَ نَهِيرَةً مِنْ الْخَنْدَقِ إلَى الْحَفِيرَةِ وَيُسَيَّلَ الْمَاءَ مِنْ الْخَنْدَقِ إلَى الْحَفِيرَةِ فَيَصِيرُ الْمَاءُ جَارِيًا فِي الْخَنْدَقِ، فَإِنْ شَاءَ تَوَضَّأَ مِنْ الْخَنْدَقِ، وَإِنْ شَاءَ تَوَضَّأَ مِنْ النَّهِيرَةِ.

إذَا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ فَرَأَى الْبَلَلَ سَائِلًا مِنْ ذَكَرِهِ، وَكَانَ الشَّيْطَانُ يُرِيهِ ذَلِكَ كَثِيرًا فَالْحِيلَةُ فِي قَطْعِ هَذِهِ الْوَسْوَسَةِ أَنْ يَنْضَحَ فَرْجَهُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا أَرَاهُ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ أَحَالَهُ عَلَى الْمَاءِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ، إنَّمَا تَنْفَعُ إذَا كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا وَلَمْ يَجِفَّ الْبَلَلُ فَأَمَّا إذَا جَفَّ الْبَلَلُ، ثُمَّ رَأَى الْبَلَلَ عَلَى ذَكَرِهِ يُعِيدُ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إحَالَتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ.

إذَا أَصَابَتْ النَّجَاسَةُ خُفًّا أَوْ نَعْلًا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا جُرْمٌ كَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ رَطْبًا أَنْ يَمْشِيَ فِي التُّرَابِ أَوْ الرَّمْلِ حَتَّى يَلْصَقَ بَعْضُهُ بِالتُّرَابِ وَيَجِفَّ، ثُمَّ يَمْسَحَهُ بِالْأَرْضِ فَيَطْهُرَ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ الْجَفَافَ.

إذَا صَلَّى الظُّهْرَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ وَعَلِمَ الْمُصَلِّي أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ وَيَكُونُ فَرْضُهُ مَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ وَكَرِهَ أَنْ يُفْسِدَ مَا صَلَّى فَالْحِيلَةُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَقْعُدَ فِي الرَّابِعَةِ وَيَقُومَ إلَى الْخَامِسَةِ فَيُصَلِّيَ الْخَامِسَةَ وَالسَّادِسَةَ حَتَّى تَصِيرَ هَذِهِ الصَّلَاةُ نَفْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -، ثُمَّ يُصَلِّيَ الْفَرِيضَةَ مَعَ الْإِمَامِ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

(رَجُلٌ) جَاءَ إلَى الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَخَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالسُّنَّةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ وَيَتْرُكَ السُّنَّةَ، ثُمَّ يَقْضِيَهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا يَقْضِيَهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَالْحِيلَةُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ سُنَّةَ الْفَجْرِ بَعْدَ مَا صَلَّى الْفَجْرَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَنْ يَشْرَعَ فِي السُّنَّةِ، ثُمَّ يُفْسِدَهَا عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ يَشْرَعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ الْفَرِيضَةِ يَقْضِيَهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهَا بِالْإِفْسَادِ صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَا يُكْرَهُ هَكَذَا حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالُوا: هَذَا إذَا لَمْ يَتَّخِذْ ذَلِكَ عَادَةً بَلْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحْيَانًا، أَمَّا إذَا اتَّخَذَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ فَإِنَّهُ يَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - قَالُوا: هَاهُنَا حِيلَةٌ أُخْرَى هِيَ أَحْسَنُ فَإِنَّ فِي هَذَا الطَّرِيقِ يَحْتَاجُ إلَى إفْسَادِ مَا شَرَعَ فِيهِ مِنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ وَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَشْرَعَ فِي السُّنَّةِ، ثُمَّ يُكَبِّرَ مَرَّةً ثَانِيَةً لِلْفَرِيضَةِ فَيَخْرُجَ بِهَذَا التَّكْبِيرِ عَنْ السُّنَّةِ وَيَصِيرَ شَارِعًا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>