للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ يَتَسَرَّى فَأَرَادَتْ التَّوَثُّقَ مِنْهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ فَالْحِيلَةُ أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلْدَةِ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْبَلْدَةِ فَلَهَا تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَيُقِرُّ الزَّوْجُ أَنَّ مَهْرَ مِثْلِ نِسَائِهَا كَذَا وَكَذَا بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا مِمَّا يَثْقُلُ عَلَى الزَّوْجِ وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنْ عَزَمَ عَلَى إخْرَاجِهَا مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَخَذَتْهُ بِتَمَامِ مَهْرِ مِثْلِ نِسَائِهَا، وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا الْإِقْرَارُ مِنْ الزَّوْجِ إذَا كَانَ فِي حَيِّزِ الِاحْتِمَالِ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي حَيِّزِ الْمُحَالِ فَلَا يَصِحُّ وَمِنْ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ قَالَ: مَا ذُكِرَ، إنَّمَا يَسْتَقِيمُ حِيلَةً عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الشَّرْطَ الثَّانِيَ جَائِزٌ كَالْأَوَّلِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الشَّرْطَ الثَّانِيَ لَا يَصِحُّ، فَإِذَا لَمْ يُقِرَّ بِهِ كَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا غَيْرُ لَا تَسْتَقِيمُ هَذِهِ الْحِيلَةُ، ثُمَّ إذَا جَازَ هَذَا الْإِقْرَارُ وَجَازَ هَذَا الشَّرْطُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِهِ وَهِيَ تَعْلَمُ أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ جَمِيعَ الْمُقَرِّ بِهِ فِي الْقَضَاءِ.

أَمَّا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ الزِّيَادَةَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا إلَّا إذَا أَعْطَاهَا الزَّوْجُ ذَلِكَ بِطِيبِ نَفْسِهِ، فَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْحِيلَةِ فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهَا الزَّوْجُ فَأَرَادَتْ حِيلَةً لَا يُمْكِنُهُ إخْرَاجُهَا مِنْ الْبَلْدَةِ فَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُقِرَّ الْمَرْأَةُ بِالدَّيْنِ مِمَّنْ تَثِقُ بِهِ مِنْ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَالْأَخِ وَتُشْهِدَ عَلَى إقْرَارِهَا حَتَّى إنَّ الزَّوْجَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلْدَةِ فَالْمُقَرُّ لَهُ بِالدَّيْنِ يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ، إنَّمَا تَكُونُ حِيلَةً عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَصِحُّ إقْرَارُهَا بِالدَّيْنِ فِي حَقِّ نَفْسِهَا لَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ مَعَ الزَّوْجِ، فَإِنْ خَافَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ الزَّوْجُ بِاَللَّهِ أَنَّ لَك عَلَيْهَا هَذَا الْمَالَ.

(قَالَ) يَبِيعُهَا بِذَلِكَ الْمَالِ ثَوْبًا حَتَّى إذَا حَلَفَ لَا يَأْثَمُ وَهَذَا، إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ مَعَ الزَّوْجِ فَكَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمُقَرَّ لَهُ بِاَللَّهِ أَنَّ مَا أَقَرَّتْ لَك بِهِ حَقٌّ، وَلَكِنَّ الْحِيلَةَ الَّتِي تَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ أَنْ تَشْتَرِيَ مِمَّنْ تَثِقُ بِهِ شَيْئًا بِثَمَنٍ غَالٍ أَوْ تَكْفُلُ عَنْ غَيْرِهَا مِمَّنْ تَثِقُ بِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ وَالْمَكْفُولِ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ مَعَ الزَّوْجِ عِنْدَ الْكُلِّ إلَى أَنْ تُؤَدِّيَ الثَّمَنَ أَوْ الدَّيْنَ وَإِذَا أَقَرَّتْ بِالْكَفَالَةِ كَانَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا عَنْ الْخُرُوجِ عِنْدَ الْكُلِّ فَتَصِيرُ هَذِهِ حِيلَةً عِنْدَ الْكُلِّ أَيْضًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَقَرَّتْ وَذَكَرَتْ لِلْمُقَرِّ بِهِ سَبَبًا يَصِحُّ إقْرَارُهَا فِي حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ وَفِي حَقِّ الزَّوْجِ عِنْدَ الْكُلِّ حَتَّى كَانَ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا عَنْ الْخُرُوجِ مَعَ الزَّوْجِ عِنْدَ الْكُلِّ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَقَرَّتْ وَلَمْ تَذْكُرْ لِلْمُقَرِّ بِهِ سَبَبًا كَانَ فِي صِحَّةِ إقْرَارِهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ اخْتِلَافٌ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا.

وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ فَسَدَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ جَمِيعَ رَقَبَةِ زَوْجِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَارِثٌ وَشِقْصًا مِنْهُ إنْ كَانَ مَعَهَا وَارِثٌ وَأَيُّمَا كَانَ فَسَدَ النِّكَاحُ، فَإِنْ أَرَادَ الْمَوْلَى أَنْ لَا يَنْفَسِخَ النِّكَاحُ بِمَوْتِهِ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُكَاتِبَ لِلْعَبْدِ عَلَى مَالٍ، ثُمَّ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ مِنْهُ وَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ رَقَبَتِهِ بِمَوْتِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُورَثُ لَكِنَّ لَهَا حَقَّ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ وَحَقُّ الْمِلْكِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ وَلَا يَمْنَعُ الْبَقَاءَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

رَجُلٌ خَطَبَ امْرَأَةً إلَى نَفْسِهَا فَأَجَابَتْهُ إلَى ذَلِكَ وَكَرِهَتْ أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ أَوْلِيَاؤُهَا فَجَعَلَتْ أَمْرَهَا فِي تَزْوِيجِهَا إلَيْهِ يَجُوزُ هَذَا النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ كَرِهَ أَنْ يُسَمِّيَهَا عِنْدَ الشُّهُودِ فَمَا الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ (قَالَ) الْحِيلَةُ أَنَّهُ إذَا جَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ، وَكَانَ تَوَافَقَ مَعَهَا عَلَى الْمَهْرِ فَالزَّوْجُ يَجِيءُ إلَى الشُّهُودِ وَيَقُولُ لَهُمْ: إنِّي خَطَبَتْ امْرَأَةً إلَى نَفْسِي وَبَذَلْت لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ كَذَا فَرَضِيَتْ بِذَلِكَ وَجَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَيَّ لِأَتَزَوَّجَهَا فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةَ الَّتِي جَعَلَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>