للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَصِيَّةِ هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَحْفُوظُنَا أَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَحِيحٌ إذَا كَانَ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ كَانَ مُوصًى بِهِ وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَدْفَعَ الْوَاقِفُ مَا وَقَفَهُ إلَى رَجُلٍ وَيَجْعَلَهُ قَيِّمًا لِهَذَا الْوَقْفِ، ثُمَّ إنَّ الْوَاقِفَ يَمْتَنِعُ عَنْ صَرْفِ الْغَلَّةِ إلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ يَبِيعُ الْوَاقِفُ هَذَا الْوَقْفَ مِنْ إنْسَانٍ وَيُسَلِّمُهُ إلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ إنَّ الْمُتَوَلِّيَ يُخَاصِمُ الْمُشْتَرِيَ فِي فَصْلِ الْبَيْعِ وَيُخَاصِمُ الْوَاقِفَ فِي فَصْلِ امْتِنَاعِهِ عَنْ صَرْفِ الْغَلَّةِ إلَى الْمَسَاكِينِ وَيُقَدِّمُهُ إلَى قَاضٍ يَرَى صِحَّةَ الْوَقْفِ فَيَقْضِي الْقَاضِي بِصِحَّةِ هَذَا الْوَقْفِ وَيَصِحُّ الْقَضَاءُ لِوُجُودِ الدَّعْوَى مِنْ الْمُدَّعِي وَالْخُصُومَةِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ إبْطَالُهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ صَادَفَ مَحِلًّا مُجْتَهَدًا فِيهِ فَنَفَذَ وَصَارَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

رَجُلٌ لَهُ مَالٌ مِنْ وَقْفٍ أُوقِفَ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَلَزِمَهُ دَيْنٌ فَأَرَادَ أَنْ يُوَكِّلَ غَرِيمَهُ بِقَبْضِ مَا يَصِيرُ لَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الْوَقْفِ قَضَاءً مِنْ دَيْنِهِ فَقَالَ الْغَرِيمُ: لَسْت آمَنُ مِنْ أَنْ تُخْرِجَنِي مِنْ الْوَكَالَةِ فَأُرِيدُ أَنْ تُوَكِّلَنِي وَكَالَةً لَا تَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِي مِنْهَا حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مَا لِي عَلَيْك فَالْحِيلَةُ أَنْ يُقِرَّ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنَّ الْوَاقِفَ كَانَ شَرَطَ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ أَنْ يُنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الْوَقْفِ فِي كُلِّ سَنَةٍ كَذَا وَكَذَا مَا دَامَ حَيًّا، وَأَنْ يُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ يُبْدَأُ بِذَلِكَ، ثُمَّ بَاقِي الْغَلَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ وُقِفَ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ كَانَ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ يُسَمِّي غَرِيمَهُ عَلَى فُلَانٍ الْوَاقِفِ مِنْ الدَّيْنِ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا دَيْنًا صَحِيحًا وَقَدْ كُنْت ضَمِنْت لَهُ جَمِيعَ ذَلِكَ الْمَالِ عَنْهُ ضَمَانًا صَحِيحًا جَائِزًا بَاتًّا، وَأَنَّ الْوَاقِفَ جَعَلَ وِلَايَةَ هَذِهِ الصَّدَقَةِ إلَى فُلَانٍ يَعْنِي صَاحِبَ الدَّيْنِ فِي حَيَاتِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ مِنْ غَلَّتِهِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَكْتُبُ أَيْضًا إنِّي قَدْ جَعَلْته وَكِيلًا فِي قَبْضِ نَصِيبِي مِنْ غَلَّةِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا ضَمِنْت لَهُ مِنْ الدَّيْنِ عَنْ الْوَاقِفِ.

فَإِذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ إخْرَاجُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْحِيلَةِ نَوْعُ اشْتِبَاهٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يُبْدَأَ بِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ فَيَكُونُ هَذَا اسْتِثْنَاءَ بَعْضِ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَائِزٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ أَقَرَّ هَذَا الْمَدْيُونُ أَنَّ قَاضِيًا قَضَى بِجَوَازِهِ فَيَصِيرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ فِي هَذِهِ الْحِيلَةِ، وَأَنَّهُ وَجَبَ لِفُلَانٍ يُسَمِّي غَرِيمَهُ عَلَى هَذَا الْوَاقِفِ كَذَا فَيَصِحُّ هَذَا الْإِقْرَارُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِتَقْدِيمِ حَقِّ الْغَيْرِ فَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ كَالْوَارِثِ إذَا أَقَرَّ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِدَيْنٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ هَذَا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِتَقْدِيمِ حَقِّ غَيْرِهِ فَصَاحِبُ الدَّيْنِ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَارِثِ فَكَذَا هَاهُنَا، ثُمَّ قَالَ: وَيَكْتُبُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ: إنِّي قَدْ كُنْت ضَمِنْت جَمِيعَ ذَلِكَ ضَمَانًا صَحِيحًا وَفِيهِ نَوْعُ شُبْهَةٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ، إنَّمَا يَصِحُّ إذَا مَاتَ الْوَاقِفُ مَلِيًّا أَمَّا إذَا مَاتَ مُفْلِسًا لَا يَصِحُّ هَذَا الضَّمَانُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحِقَ بِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ حَتَّى يَصِيرَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ.

ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا إنَّ الْوَاقِفَ جَعَلَ وِلَايَةَ هَذِهِ الصَّدَقَةِ إلَى فُلَانٍ الْغَرِيمِ وَجَعَلَ هَذِهِ الضَّيْعَةَ فِي يَدَيْهِ يَقْبِضُ غَلَّتَهَا وَيَصِحُّ هَذَا الْإِقْرَارُ مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِتَقْدِيمِ حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَيَصِحُّ، ثُمَّ يَكْتُبُ إذَا اسْتَوْفَى فُلَانٌ الْغَرِيمُ هَذَا الدَّيْنَ لَا يَدَ لَهُ عَلَى الضَّيْعَةِ حَتَّى لَا يَدَّعِيَ الِاسْتِحْقَاقَ لِنَفْسِهِ بِكَوْنِهَا فِي يَدِهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

[الْفَصْلُ الثَّانِيَ عَشَرَ فِي الشَّرِكَةِ]

(الْفَصْلُ الثَّانِيَ عَشَرَ فِي الشَّرِكَةِ) رَجُلَانِ أَرَادَا أَنْ يَشْتَرِكَا وَمَعَ أَحَدِهِمَا مِائَةُ دِينَارٍ وَمَعَ الْآخَرِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَالشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ لَا يَخْتَلِطُ بِالْآخَرِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ فِي كِتَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>