للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِتَابِ الشُّرُوطِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الرِّبَا بِأَنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَنَصِيبُهَا مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ بَدَلِ الصُّلْحِ أَوْ أَكْثَرُ.

وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِ بَدَلِ الصُّلْحِ وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهَا مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ بَدَلِ الصُّلْحِ أَوْ أَقَلَّ فَيَكُونُ فِيهِ احْتِمَالُ الِاحْتِمَالِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ عَقَارًا وَأَرَاضِيَ وَحَيَوَانًا وَأَمْتِعَةً وَكُلُّ ذَلِكَ فِي أَيْدِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إلَّا أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَدْرِي مَا هُوَ فَصَالَحَهُمْ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ جَازَ وَقَدْ مَرَّ جِنْسُ هَذَا. (الْوَجْهِ الثَّانِي) إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ فَإِنْ أَدْخَلُوا الدَّيْنَ فِي الصُّلْحِ بِأَنْ صَالَحُوهَا مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ عَلَى مَالٍ أَوْ صَالَحُوهَا عَلَى أَنْ تَأْخُذَ هِيَ الدَّيْنَ مِنْ الْغَرِيمِ وَتَتْرُكَ حَقَّهَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَمَتَى فَسَدَ الصُّلْحُ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ فَسَدَ فِي حِصَّةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ، وَإِنْ لَمْ يُدْخِلُوا الدَّيْنَ فِي الصُّلْحِ صَحَّ الصُّلْحُ عَنْ بَاقِي التَّرِكَةِ وَبَقِيَ الدَّيْنُ عَلَى الْغَرِيمِ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَهَذَا نَوْعُ حِيلَةٍ فِي تَصْحِيحِ هَذَا الصُّلْحِ أَنْ يَسْتَثْنُوا الدَّيْنَ وَيَذْكُرُوا فِي الْوَثِيقَةِ مَا خَلَا الدَّيْنَ، وَإِنْ أَرَادُوا إدْخَالَ الدَّيْنِ فِي الصُّلْحِ فَالْوَجْه أَنْ تَسْتَقْرِضَ الْمَرْأَةُ مِنْ الْوَرَثَةِ مِثْلَ نَصِيبِهَا مِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ تُحِيلَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْغَرِيمِ لِيُعْطِيَهُمْ مِنْ نَصِيبِهَا وَيَقْبَلَ الْغَرِيمُ ذَلِكَ، ثُمَّ يُصَالِحُونَهَا عَنْ بَقِيَّةِ الْمَالِ فَيَصِيرَ جَمِيعُ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ مِلْكًا لَهُمْ أَوْ يُعَجِّلُوا لِلْمَرْأَةِ نَصِيبَهَا يَعْنِي الْوَرَثَةَ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مُتَطَوِّعِينَ عَنْ الْغَرِيمِ، فَإِنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ عَنْ غَيْرِهِ مُتَطَوِّعًا جَائِزٌ ثُمَّ يُصَالِحُونَهَا عَمَّا بَقِيَ فَالْإِقْرَاضُ أَنْفَعُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ، حَتَّى أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَصِلُوا إلَى حَقِّهِمْ مِنْ الدُّيُونِ يَرْجِعُونَ بِمَا أَدَّوْا عَلَى الْمَرْأَةِ، أَمَّا لَوْ عَجَّلُوا نَصِيبَهَا مُتَطَوِّعِينَ لَا يَصِلُونَ إلَى مَا أَدَّوْا لَا مِنْ جِهَةِ الْغَرِيمِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِلْمُتَطَوِّعِ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ أَبَتْ الْوَرَثَةُ أَنْ يُقْرِضُوا نَصِيبَهَا مِنْ الدَّيْنِ فَالْحِيلَةُ أَنْ تَسْتَقْرِضَ نَصِيبَهَا مِنْ الدَّيْنِ مِنْ رَجُلٍ وَيُعَجَّلُ نَصِيبُهَا مِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ يُصَالِحُونَهَا مِنْ الْمَالِ الْعَيْنِ، فَإِنْ أَبَى الْغَرِيمُ أَنْ يُقْرِضَ نَصِيبَهَا فَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ الْوَرَثَةُ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَرَضًا مِنْ عُرُوضِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسِينَ الَّذِي هُوَ نَصِيبُهَا وَقَدْ يَفْعَلُ الْوَارِثُ هَذَا لِأَجْلِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ صِحَّةُ الصُّلْحِ وَخُرُوجُهَا مِنْ الْبَيْنِ ثُمَّ تُحِيلُ الْمَرْأَةُ بِثَمَنِ ذَلِكَ الْعَرْضِ عَلَى الْغَرِيمِ ثُمَّ يُصَالِحُونَهَا مِنْ الْمَالِ الْعَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا تُجِيبُ إلَى ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يُتْوَى الْمَالُ عَلَى الْغَرِيمِ وَيَرْجِعُ الْوَارِثُ عَلَيْهَا بِثَمَنِ الْعَرَضِ فَالْحِيلَةُ أَنْ تُقِرَّ الْمَرْأَةُ بِاسْتِيفَاءِ نَصِيبِهَا مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْغَرِيمِ.

وَتَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهَا بِالِاسْتِيفَاءِ ثُمَّ يُصَالِحُونَهَا مِنْ الْمَالِ الْعَيْنِ عَلَى مَا وَصَفْنَا، وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ هِشَامٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي نَوَادِرِهِ: قُلْت لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: مَا نَقُولُ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدٍ لَهُ سَنَةً فَمَاتَ الْمُوصِي فَأَرَادَ الْوَارِثُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْمُوصَى لَهُ وَصِيَّتَهُ فِي الْعَبْدِ؟ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ لَا يُورَثُ حَقُّ وَصِيَّتِهِ كَمَا لَا يُورَثُ حَقُّ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ وَلِأَنَّ حَقَّهُ لَا مَالِيَّةَ لَهُ وَلَا ثَمَنَ، وَعَقْدُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَقْدٌ خَاصٌّ يَرِدُ عَلَى مَالِهِ ثَمَنٌ وَلَهُ مَالِيَّةٌ، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا: إنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>