للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُ الْأَجْنَبِيَّ الْمُقَرَّ لَهُ بِالدَّيْنِ بِاَللَّهِ هَذَا الدَّيْنُ وَاجِبٌ لَك عَلَى الْمَيِّتِ وَمَا أَبْرَأْته مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِهَذِهِ الْيَمِينِ طَالِبٌ هُنَا وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ هُنَا إنَّمَا تَقَعُ لِلْمَيِّتِ وَالْقَاضِي نَائِبُ الْمَيِّتِ فَيُحَلِّفُهُ احْتِيَاطًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا طَالِبٌ وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: كُنَّا عَرَفْنَا أَنَّ الدَّيْنَ إذَا تَقَادَمَ وُجُوبُهُ حَتَّى يُتَوَهَّمَ سُقُوطُهُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ فَغَرِيمُ الْمَيِّتِ يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا سَقَطَ دَيْنُك وَلَا بَعْضُهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَكُنَّا نَظُنُّ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي هُوَ قَرِيبٌ إلَى الْمَوْتِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ الْغَرِيمُ بَلْ يُعْطَى حَقَّهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوَاضِعَ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِالدُّيُونِ لِلْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُمْ يُعْطُونَ ذَلِكَ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْيَمِينُ. وَالْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ الْيَمِينَ هُنَا فَهَذَا شَيْءٌ اُسْتُفِيدَ مِنْ جِهَتِهِ،

قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَجْنَبِيِّ شَيْءٌ يَبِيعُهُ مِنْ الْوَارِثِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَهَبَ الْوَارِثُ لِلْأَجْنَبِيِّ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ ثُمَّ يَبِيعَ الْأَجْنَبِيُّ تِلْكَ الْعَيْنَ بَعْدَمَا قَبَضَ مِنْ الْوَارِثِ بِدَيْنِهِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا وَحِيلَةٌ أُخْرَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُحْضِرَ الْوَارِثُ مَتَاعًا أَوْ شَيْئًا تَكُونُ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى الْمَرِيضِ وَيَبِيعَ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنْ الْمَرِيضِ بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ مِنْ الشُّهُودِ بِكَذَا وَكَذَا يُسَلِّمُهُ إلَيْهِ، فَيَصِيرُ مَالُ الْوَارِثِ دَيْنًا عَلَى الْمَرِيضِ بِالْبَيِّنَةِ، ثُمَّ الْمَرِيضُ يَهَبُ تِلْكَ الْعَيْنَ مِنْ إنْسَانٍ لَا يُعْرَفُ سِرًّا ثُمَّ الْمَوْهُوبُ لَهُ يَهَبُ تِلْكَ الْعَيْنَ مِنْ الْوَارِثِ فَيَرْجِعُ إلَى الْوَارِثِ مَتَاعُهُ وَيَصِيرُ مَالُ الْوَارِثِ دَيْنًا عَلَى الْمَرِيضِ بِالْبَيِّنَةِ فَيَسْتَوْفِي الْوَارِثُ ذَلِكَ مِنْ الْمَرِيضِ كَالْأَجْنَبِيِّ وَقَالُوا: هَذِهِ حِيلَةٌ حَسَنَةٌ، إلَّا أَنَّ فِيهَا نَوْعُ شُبْهَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ فِيهِ وُجُوبُ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَيِّتِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَبِالْبَيْعِ يَجِبُ دَيْنٌ آخَرُ وَالْوَارِثُ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ الْحَادِثَ الَّذِي ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَلَمْ يَسْتَوْفِ ذَلِكَ الدَّيْنَ الَّذِي ثَبَتَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِذَا بَقِيَ ذَلِكَ الدَّيْنُ فِي التَّرِكَةِ لَا يَحِلُّ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ الِانْتِفَاعُ بِالتَّرِكَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَهَذِهِ تَصْلُحُ حِيلَةً فِي الظَّاهِرِ لَا فِي الْبَاطِنِ، وَكَأَنَّ الْخَصَّافَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الظَّاهِرِ، ثُمَّ إنَّ الْخَصَّافَ قَالَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْحِيلَةِ: يَبِيعُ الْوَارِثُ مَتَاعًا مِنْ الْمَرِيضِ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شِرَاءَ الْمَرِيضِ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِ الْوَارِثِ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ. وَهَكَذَا ذَكَرِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ فِي بَابِ مُزَارَعَةِ الْمَرِيضِ مَسْأَلَةَ الْمَرِيضِ يَشْتَرِي عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِ وَارِثِهِ مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ جَمِيعًا وَأَحَالَهُ إلَى بَابِ إقْرَارِ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ مِنْ كِتَابِ الْمَأْذُونِ الْكَبِيرِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَحِيلَةٌ أُخْرَى لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَذْكُرْهَا الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهِيَ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى قَاضٍ يَرَى الْإِقْرَارَ لِلْوَارِثِ بِالدَّيْنِ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ اخْتِلَافًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ هَذَا الْإِقْرَارُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ، فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْجَوَازِ يَصِيرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>