للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَعَارِيضِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْكَذِبِ لَا بَأْسَ بِهِ، جَاءَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: إنَّ فِي مَعَارِيضِ الْكَلَامِ مَا يُغْنِي الرَّجُلَ عَنْ الْكَذِبِ، وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: إنَّ فِي مَعَارِيضِ الْكَلَامِ لَمَنْدُوحَةً عَنْ الْكَذِبِ أَيْ سَعَةً، وَفِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا - أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ وَيُرِيدَ بِهَا غَيْرَ مَا وُضِعَتْ لَهُ الْكَلِمَةُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ إلَّا أَنَّ مَا أَرَادَهُ يَكُونُ مِنْ مُحْتَمِلَاتِ لَفْظِهِ الطَّرِيقُ الثَّانِي أَنْ يُقَيِّدَ الْكَلَامَ بِلَعَلَّ وَعَسَى، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ يُخْرِجُ الْكَلَامَ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الْمَعَارِيضِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ مِنْ الْمَعَارِيضِ مَا لَمْ يُبِحْ صَرِيحَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: ٢٣٥] ثُمَّ قَالَ {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: ٢٣٥] فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَخْطُبَهَا صَرِيحًا، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ: إنَّك جَمِيلَةٌ حَسَنَةٌ وَمِثْلُك يَصْلُحُ لِمِثْلِي وَسَيَقْضِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ.

فَلَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ لِلِاسْتِرَاحَةِ يَقُولُ لِخَادِمِهِ: إذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدٌ فِي الدُّخُولِ عَلَيَّ فَقُلْ: لَيْسَ الشَّيْخُ هُنَا وَاعْنِ الْمَكَانَ الَّذِي أَنْتَ قَائِمٌ فِيهِ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ إذَا اسْتَأْذَنَ مِنْهُ ثَقِيلٌ لِلدُّخُولِ عَلَيْهِ كَانَ يَرْكَبُ عَلَى دَارٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ وِسَادَةٍ وَيَقُولُ لِخَادِمِهِ: قُلْ: إنَّ الشَّيْخَ قَدْ رَكِبَ حَتَّى يَقَعَ عِنْدَ السَّامِعِ أَنَّهُ قَدْ رَكِبَ عَلَى دَابَّتِهِ لِحَاجَةٍ لَهُ فَيَرْجِعَ، وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ إذَا اسْتَعَارَ مِنْهُ إنْسَانٌ شَيْئًا كَانَ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَيَقُولُ: لَيْسَ الشَّيْءُ الَّذِي تَسْتَعِيرُهُ هُنَا وَيُرِيدُ بِهِ فِي مَوْضِعِ وَضْعِ يَدِهِ فَيَظُنُّ السَّامِعُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ لَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ فِي دَارِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

[الْفَصْلُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ]

ِ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ لِأَجْلِ صَلَوَاتِهِ الْفَائِتَاتِ وَلَا يَأْمَنُ مِنْ الْوَارِثِ أَنْ لَا يُنَفِّذَ وَصِيَّتَهُ لَوْ أَوْصَى بِذَلِكَ وَرُبَّمَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَوْ أَوْصَى بِهَذَا أَيْضًا - دَخَلَ هَذَا فِي الثُّلُثِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ هَذَا وَرَاءَ الثُّلُثِ، فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ أَمْلَاكِهِ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَيُسَلِّمَ الْمَبِيعَ وَيُبَرِّئَهُ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى يَبِيعَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الشَّيْءَ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَيَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ عَنْهُ فَيَجُوزُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>