للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا ضَمَانَ لِلْمَالِكِ أَيْضًا، كَذَا فِي الْإِيضَاحِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلٍ سَرَقَ غَيْرَ مَرَّةٍ فَحُدَّ حَدًّا وَاحِدًا فَهُوَ لِذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ الْخَالِصَةَ لِلَّهِ تَعَالَى مَتَى اجْتَمَعَتْ تَدَاخَلَتْ إذَا كَانَ الْجِنْسُ، وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ الزَّجْرُ عَنْ مُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُقِيمَ الْحَدُّ مَرَّةً ثُمَّ سَرَقَ ثَانِيًا لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الزَّجْرَ لَمْ يَحْصُلْ بِالْأَوَّلِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ أَرْبَابُ السَّرِقَاتِ، وَخَاصَمُوا، وَأَثْبَتُوا عَلَيْهِ السَّرِقَاتِ لَا يَضْمَنُ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ السَّرِقَاتِ إذَا هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ فِي يَدِهِ، أَوْ اسْتَهْلَكَهَا، وَأَمَّا إذَا حَضَرَ، وَاحِدٌ مِنْهُمْ، أَوْ اثْنَانِ، وَخَاصَمَ، وَالْبَاقُونَ غُيَّبٌ فَقَطَعَ الْقَاضِي السَّارِقَ بِخُصُومَةِ الَّذِي حَضَرَ، ثُمَّ حَضَرَ الْبَاقُونَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَضْمَنُ لَهُمْ شَيْئًا إذَا هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ عِنْدَهُ، أَوْ اسْتَهْلَكَهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَضْمَنُ قِيمَةَ سَرِقَاتِ الْغَائِبِينَ، وَلَا يَضْمَنُ لِمَنْ كَانَ حَاضِرًا، وَقْتَ الْخُصُومَةِ قِيمَةَ سَرِقَتِهِ إجْمَاعًا فَإِنْ كَانَتْ السَّرِقَاتُ قَائِمَةً رَدَّهَا الْإِمَامُ عَلَى أَرْبَابِهَا، وَالْقَطْعُ لَا يَمْنَعُ رَدَّ السَّرِقَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَإِذَا سَرَقَ النَّصْبَ مِنْ وَاحِدٍ مِرَارًا فَخُوصِمَ فِي بَعْضِ النَّصْبِ لَا يَضْمَنُ بَاقِيَ النَّصْبَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لَهُمَا، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.

وَلَوْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ، وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبٌ فَاجْتَهَدَ الْحَاكِمُ، وَقَطَعَ يَدَهُ فِيهَا لَا يَضْمَنُ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ حَضَرَ فَصَدَّقَهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

[الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يُحْدِثُ السَّارِقُ فِي السَّرِقَةِ]

ِ إذَا سَرَقَ ثَوْبًا فَشَقَّهُ فِي الدَّارِ نِصْفَيْنِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ فَإِنْ كَانَ لَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بَعْدَمَا شَقَّهُ لَمْ يُقْطَعْ بِالِاتِّفَاقِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَقَّهُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ فَانْتَقَصَتْ قِيمَتُهُ مِنْ النِّصَابِ بِذَلِكَ، وَإِذَا شَقَّ فِي الْحِرْزِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ، وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةً فَإِنْ كَانَ هَذَا التَّعْيِيبُ يُمْكِنُ نُقْصَانًا يَسِيرًا فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا فَإِنْ اخْتَارَ رَبُّ الثَّوْبِ أَخْذَ الثَّوْبِ، وَتَضْمِينَ النُّقْصَانِ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ، وَسَلَّمَ لَهُ الثَّوْبَ فَلَا قَطْعَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُقْطَعُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ، وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْيَسِيرَ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بَلْ تَعَيَّبَ بِهِ فَقَطْ، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.

وَإِذَا كَانَ الشَّقُّ إتْلَافًا فَلَهُ تَضْمِينُ جَمِيعِ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ، وَيَمْلِكُ السَّارِقُ الثَّوْبَ، وَلَا يُقْطَعُ، وَحَدُّ الْإِتْلَافِ أَنْ يَنْقُصَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ.

إنْ سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا لَمْ يُقْطَعْ، وَلَوْ سَاوَتْ نِصَابًا بَعْدَ الذَّبْحِ لَكِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

وَإِنْ سَرَقَ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَصَنَعَهُ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ فِيهِ، وَيَرُدُّ الدَّرَاهِمَ، وَالدَّنَانِيرَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ: لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَيْهَا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اتَّخَذَهُ حُلِيًّا، أَوْ آنِيَةً، كَذَا فِي التَّبْيِينِ.

وَلَوْ سَرَقَ حَدِيدًا، أَوْ نُحَاسًا، أَوْ صُفْرًا، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَجَعَلَهُ أَوَانِي إنْ كَانَ بَعْدَ الصِّنَاعَةِ يُبَاعُ، وَزْنًا فَعَلَى الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ عَدَدًا يَكُونُ لِلسَّارِقِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا، وَخَاطَهُ يَكُونُ لَهُ بَعْدَ الْقَطْعِ، وَلَا ضَمَانَ بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي الْغِيَاثِيَّةِ وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِوَجْهٍ مَا، وَيَضْمَنَ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، كَذَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ.

إذَا قُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ، وَقَدْ قَطَّعَ الثَّوْبَ قَمِيصًا، وَلَمْ يَخِطْهُ يُرَدُّ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

مَنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الثَّوْبُ، وَلَمْ يَضْمَنْ قِيمَةَ الثَّوْبِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا فِي الْكَافِي، وَلَوْ صَبَغَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>