للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا تَقَدَّمَ) لِخَبَرِ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ» (وَإِنْ كَانَ) إسْلَامُهُمْ (بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْقَتْلِ عَصَمُوا دِمَاءَهُمْ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ وَلَا يَعْصِمُونَ مَالَهُمْ وَلَا ذُرِّيَّتَهُمْ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ لِلْمُسْلِمِينَ قَبْلَ إسْلَامِهِمْ (وَلَا يُسْتَرَقُّونَ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَسْلَمُوا قَبْلَ اسْتِرْقَاقِهِمْ (وَيَكُونُ الْمَالُ عَلَى مَا حَكَمَ فِيهِ) كَالْأَنْفُسِ.

(وَإِنْ حَكَمَ بِأَنَّهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ كَانَ) الْمَالُ (غَنِيمَةً) لِلْمُسْلِمِينَ (وَإِنْ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ لَمْ يَلْزَم حُكْمُهُ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّرَاضِي.

(وَإِنْ سَأَلُوهُ) أَيْ: أَهْلُ الْحِصْنِ (أَنْ يُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ) تَعَالَى (لَزِمَهُ أَنْ يُنْزِلَهُمْ وَيُخَيَّرُ فِيهِمْ كَالْأَسْرَى) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْحُكْمُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ لَهُمْ لَكِنْ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مَرْفُوعًا وَغَيْرهمَا «وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكِ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ فِيهِمْ أَمْ لَا» وَأَجَابَ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ: أَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَنْزِلَ وَحْيٌ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ مَا حَكَمَ بِهِ وَهَذَا الْحُكْمُ مُنْتَفٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِهَذَا قَالَ فِي الْوَاضِحِ: يُكْرَهُ.

وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: لَا يُنْزِلهُمْ؛ لِأَنَّهُ كَإِنْزَالِهِمْ بِحُكْمِنَا وَلَمْ يَرْضَوْا بِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ: فَيُخَيَّرُ (بَيْنَ الْقَتْلِ، وَالرِّقِّ، وَالْمَنِّ، وَالْفِدَاءِ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِمَامِ (وَيُكْرَهُ نَقْلُ رَأْسِ) كَافِرٍ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ.

(وَرَمْيهِ بِمَنْجَنِيقٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ) لِمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِرَأْسِ بَنَانِ الْبِطْرِيقِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِنَا قَالَ فَأَذَّنَ بِفَارِسَ وَالرُّومِ لَا يُحْمَلُ إلَيَّ رَأْسٌ إنَّمَا يَكْفِي الْكِتَابُ وَالْخَبَرُ " قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَذَا حَيْثُ لَا يَكُونُ فِي التَّمْثِيلِ بِهِمْ زِيَادَةٌ فِي الْجِهَادِ، وَلَا يَكُونُ نَكَالًا لَهُمْ عَنْ نَظِيرِهَا فَأَمَّا إنْ كَانَ فِي التَّمْثِيلِ السَّائِغِ دُعَاءٌ لَهُمْ إلَى الْإِيمَانِ أَوْ زَجْرٌ لَهُمْ عَنْ الْعُدْوَانِ فَإِنَّهُ هُنَا مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْجِهَادِ الْمَشْرُوعِ وَلَمْ تَكُنْ الْقِصَّةُ فِي أُحُدٍ كَذَلِكَ فَلِهَذَا كَانَ الصَّبْرُ أَفْضَلَ.

(وَيَحْرُمُ أَخْذُهُ) أَيْ: الْأَمِيرِ (مَالًا لِيَدْفَعَهُ) أَيْ: الرَّأْسَ (إلَيْهِمْ) أَيْ: إلَى الْكُفَّارِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَرَادُوا أَنْ يَشْتَرُوا جَسَدَ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَبَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعَهُمْ» وَضَعَّفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ الْقَطَّانِ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَفِيهِ «ادْفَعُوا إلَيْهِمْ جِيفَتَهُ فَإِنَّهُ خَبِيثُ الْجِيفَةِ، خَبِيثُ الدِّيَةِ» فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا وَلَهُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ " فَخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>